ويحتمل أن يكون المراد لا تبهتوا الناس كفاحاً وبعضكم يشاهد بعضاً، كما يقال: قلت كذا بين يدي فلان، قاله الخطابي، وفيه نظر لذكر الأرجل. وأجاب الكرماني: بأن المراد الأيدي، وذكر الأرجل تأكيداً، ومحصله أن ذكر الأرجل إن لم يكن مقتضياً فليس بمانع. ويحتمل أن يكون المراد بما بين الأيدي والأرجل القلب لأنه هو الذي يترجم اللسان عنه، فلذلك نسب إليه الافتراء، كأن المعنى: لا ترموا أحداً بكذب تزورونه في أنفسكم ثم تبهتون صاحبه بألسنتكم. وقال أبو محمد بن أبي جمرة: يحتمل أن يكون قوله: «بين أيديكم» أي: في الحال، وقوله: «وأرجلكم» أي: في المستقبل، لأن السعي من أفعال الأرجل. وقال غيره: أصل هذا كان في بيعة النساء، وكني بذلك -كما قال الهروي في الغريبين- عن نسبة المرأة الولد الذي تزني به أو تلتقطه إلى زوجها، ثم لما استعمل هذا اللفظ في بيعة الرجال احتيج إلى حمله على غير ما ورد فيه أولاً. والله أعلم. (٢) إلى هنا انتهت المنهيات المبايع عليها وقد يسأل سائل لما نص على المنهيات دون المأمورات وقد تكلم على هذه المسألة الحافظ ابن حجر فقال: فإن قيل: لم اقتصر على المنهيات ولم يذكر المأمورات؟ فالجواب: أنه لم يهملها، بل ذكرها على طريق الإجمال في قوله: «ولا تعصوا» إذ العصيان مخالفة الأمر. والحكمة في التنصيص على كثير من المنهيات دون المأمورات: أن الكف أيسر من إنشاء الفعل، لأن اجتناب المفاسد مقدم على اجتلاب المصالح، والتخلي عن الرذائل قبل التحلي بالفضائل. انظر الفتح (١/١٤٢) .