(٢) قال ابن حجر في الفتح (١/١٤٣) : قال القاضي عياض: ذهب أكثر العلماء أن الحدود كفارات واستدلوا بهذا الحديث، ومنهم من وقف لحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا» ، لكن حديث عبادة أصح إسناداً. ويمكن -يعني على طريق الجمع بينهما- أن يكون حديث أبي هريرة ورد أولاً قبل أن يعلمه الله، ثم أعلمه بعد ذلك. قلت: حديث أبي هريرة أخرجه الحاكم في المستدرك والبزار من رواية معمر عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، وهو صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر، وذكر الدارقطني أن عبد الرزاق تفرد بوصله، وأن هشام بن يوسف رواه عن معمر فأرسله. قلت: وقد وصله آدم ابن أبي إياس عن ابن أبي ذئب وأخرجه الحاكم أيضاً فقويت رواية معمر، وإذا كان صحيحاً فالجمع -الذي جمع به القاضي حسن-، لكن القاضي ومن تبعه جازمون بأن حديث عبادة هذا كان بمكة ليلة العقبة، لما بايع الأنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيعة الأولي بمنى، وأبو هريرة إنما أسلم بعد ذلك بسبع سنين عام خيبر، فكيف يكون حديثه متقدماً؟ وقالوا في الجواب عنه: يمكن أن يكون أبو هريرة ما سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما سمعه من صحابي آخر كان سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - قديماً ولم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك أن الحدود كفارة كما سمعه عبادة، وفي هذا تعسف. ويبطله أن أبا هريرة صرح بسماعه، وأن الحدود لم تكن نزلت إذ ذاك. والحق عندي أن حديث أبي هريرة صحيح وهو ما تقدم على حديث عبادة، والمبايعة المذكورة في حديث عبادة على الصفة المذكورة لم تقع ليلة العقبة، وإنما كان ليلة العقبة ما ذكر ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمن حضر من الأنصار: «أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» فبايعوه على ذلك، وعلى أن يرحل إليهم هو وأصحابه.