وقد تقدم في هذا أبو حسن ... وأوصى حسينا بما قد أخبر الحسنا
والمراد بالمثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم» الصفة العجيبة الشأن لا القول السائر.
وقوله: «الهدى» الدلالة الموصلة إلى البغية.
«والعلم» المراد به معرفة الأدلة الشرعية.
وقوله: «كمثل الغيت الكثير» وهو المطر، وسمى المطر «غيثاً» لإغاثة الخلق.
فائدة: اختلف العلماء في الغيث الربيعي والغيث الشتوي أيهما ألطف على قولين، فقيل: الشتوي ألطف، لأن حرارة الشمس تكون حينئذ أقل، فلا تجذب من ماء البحر إلا الطفه، والجو صاف وهو خال من الأبخرة الدخانية، والغبار المخالط للماء، وكل هذا يوجب لطفه وصفائه وخلوه من مخالط.
وقيل: الربيعي ألطف، لأن الحرارة توجب تحلل الأبخرة الغليظة، وتوجب رقة الهواء ولطافته، فيخف بذلك الماء، وتقل أجزاؤه الأرضية وتصادف وقت حياة النبات والأشجار وطيب الهواء.
ووجه المشابهة بين العلم والغيث أن الغيث يحيي البلد الميت، والعلم يحيي القلب الميت، وإنما اختار الغيث من بين سائر المطر أسماء المطر ليؤذن باضطرار الخلق حينئذ إليه - صلى الله عليه وسلم - كاضطرارهم إلى المطر.
قال الله تعالى: ?وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ? [الشورى: ٢٨] .
وقد كانت الناس قبل بعثته - صلى الله عليه وسلم - في جهل وضلال، امتحنوا بموت القلب حتى أصابهم الله برحمة من عنده، وأغاثهم به - صلى الله عليه وسلم - فأرسله إليهم رحمة.
قال تعالى: ?وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ? [الأنبياء: ١٠٧] أي: لجميع الخلق: للمؤمنين بالهداية، وللمنافقين بالأمان من القتل، وللكافرين بتأخير العذاب، فهداهم وزال ضلالهم، وعلم جاهلهم، وقوَّم مائلهم، وأحيا قلوبهم الميتة به، كما أحيا الأرض الميتة بالغيث المرسل إليها، وهذا يدل على شرفه وعلو قدره - صلى الله عليه وسلم - وعظيم قدره عند الله.
ويدل أيضاً على علو قدره - صلى الله عليه وسلم - أنه كان في حياته - صلى الله عليه وسلم - يستأذن رب العزة سبعون ألف ملك لينزلوا إلى الأرض لرؤيته، فكانوا ينزلون وينظرون إليه لما يعلمون من كرامته على الله - عز وجل -.
* * *