فصار إبراهيم يجادل الملائكة من شفقته على العباد ويرجو صلاحهم قبل الهلاك، حتى قالت الملائكة: أتجادلنا في قوم لوط، وكان جدالة لهم أنه قال لهم: لو كان في البلد مائة مؤمن أكنتم تعاقبوهم؟ قالوا: لا. قال: فخمسون؟ قالوا: لا. فخمسة؟ قالوا: لا ?قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الغَابِرِينَ? [العنكبوت ٣٢] ثم مضت الملائكة إلى لوط وقالوا له: نحن ضيوفك وما عرف أنهم ملائكة وما قدر أن يرد الضيف، بل بقي محزوناً خائفاً عليهم من قومه، لعلمه بعادتهم وفسادهم، فإنهم دخلوا على لوط في صورة حسنة فقال لهم لوط: إن أهل البلد مفسدون، وكان الله تعالى قد أمر جبريل والملائكة أن لا يعذبوا قوم لوط حتى يشهد عليهم لوط بالفساد ثلاث مرات، فلما قال: إنهم مفسدون قال جبريل: هذه شهادة فلما أمسى قال لوط: إن هؤلاء القوم مفسدون قال جبريل: هذه شهادة ثانية فكرر لوط القول، وكانت امرأته منافقة فذهبت إلى البلد وأخبرتهم وقالت لهم: إن عند لوط مرد لهم وجوه حسان، وأخبر أهل البلد بعضهم بعضاً فجاءوا إلى دار لوط وقالوا: ?أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ العَالَمِينَ? [الحجر: ٧٠] معناه: أما قلنا لك لا تضف أحداً، فقال لهم: هؤلاء بناتي إن أردتم زوجتكم بهن واتركوا الفاحشة ولا تفضحوني في ضيفي فقالوا كلهم: لنا نساء ولا نريد إلا الضيوف، فقال لهم: ليس لي دار مانعة ولا حصن حصين، وجعل يتضرع فلم ينفع، فدخل الملائكة بيتاً وأغلقوا عليهم باباً فما قدروا أن يدخلوا على الملائكة، حتى كسروا الباب فضرب جبريل بجناحه وجوههم فعميت عيونهم، فقالوا: غداً نريك ما نعمل يا لوط، هذا سحر منك يا لوط، قد أعميت أبصارنا وضاق صدر لوط لذلك فقال له جبريل: إنا رسل ربك قال لهم لوط: هم كثيرون وأنا وحدي، فقال جبريل: إني لأجل هلاكهم قد جئت إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب، فلما مضى من الليل
ثلثه قال جبريل: يا لوط خذ الأهبة للخروج فقد وجب العذاب، فقال لوط: إن لي صهراً وله حق على فأريد أن أعرفه ذلك فقال: الأمر لك، فلما أخبر لوط صهره قال له: أسوة بالقوم إن هلكوا هلكت، فلما قرب الوقت أشار جبريل إلى سور البلد فانفتح فيه باب وخرج لوط وأهله، وقال له جبريل: لا يلتفت منكم أحد إلى ورائه، ثم أهلكهم الله بالحجارة أمطر عليهم حجارة من السماء بعد أن قلب ديارهم وأدخل جناحه تحت قرى قوم لوط وهي خمس