سؤال: فإن قيل: إذا رآه شخص في المنام قلنا إنه هو حقيقة فهل يطلق على الشخص الرائي أنه صحابي أم لا؟
فالجواب: لا يطلق عليه بمجرد رؤيته في المنام أن صحابي، لأن الصحابي مسلم رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرؤية المعهودة الجارية على العادة، أو رآه في حياته في الدنيا، لأنه أخبر - صلى الله عليه وسلم - الناس عن الله تعالى في الدنيا لا في القبر، فالصحبة إنما تثبت وتعتبر حال كونه مخبراً عن الله تعالى.
وقوله:«فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي» يحتمل أن يراد بالشيطان هنا إبليس شخصه، فتكون الألف واللام للعهد، ويحتمل أن يراد غيره من نوعه، فالألف واللام للجنس.
والشيطان: إما مشتق من «شاط» بمعنى هلك فيكون على وزن «فعلان» ، وإما من «شيطان» أي: بعد على وزن «فيعال» .
ومعنى:«لا يتمثل في صورتي» لا يتصور في صورتي، وعدم تصور الشيطان بصورة النبي - صلى الله عليه وسلم - معدود من خصائصه، والحكمة في ذلك حتى لا يكذب لعنه الله على لسانه - صلى الله عليه وسلم - في النوم.
لطيفة: قال في الروض الفائق عن أبي محمد بن العلاء رحمة الله تعالى أنه قال: دخلت المدينة وقد غلب علي الجوع، فزرت قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فسلمت عليه وعلى الصحابيين أبي بكر وعمر رضى الله عنهما، وقلت يا رسول الله جئت وبي من الفاقة والجوع ما لا يعلمه إلا الله - عز وجل -، وأنا ضيفك في هذه الليلة، ثم غلبني النوم فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فأعطاني رغيفاً فأكلت نصفه، ثم انتبهت من المنام ونصفه الآخر في يدي فتحقق عندي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من رآني في المنام فقد رآني حقاً، فإن الشيطان لا يتمثل بي» ثم نوديت يا أبا عبد الله لا يزور قبري أحد إلا غفر له، ونال شفاعتي غداً.
فائدة: جميع الأنبياء كنبينا - صلى الله عليه وسلم - في هذه الخصوصية وهي: أن من رآهم في المنام فهم هم، ولا يتمثل الشيطان في صورتهم، كما نبه على ذلك الكرماني نقلاً عن محيي السنة، فمن عد هذه الخاصة من خصائص نبينا أراد بها الخاصة الإضافية أي: بالنسبة إلى الأمة لا حقيقية لمشاركة الأنبياء له فيها.
وقال الدماميني (١) في خصائصه: لم أقف على أن جميع الأنبياء كنبينا في هذه الخاصة، ولكن جلالة مقام النبوة تقتضي أن لا يتسلط الشيطان على التمثيل بصورة أحد من أهلها المصطفين الأخيار، كائناً من كان لكراماتهم على الله، ورفعة منزلتهم عنده
(١) الدماميني هو: عبد الله بن محمد بن عبد الله ابن أبي بكر الدماميني، قاض مالكي قرشي مخزومي من أهل من أهل الاسكندرية، ولي قضاءها أكثر من ثلاثين سنة، قال السخاوي: صار وجيها ضخم الرياسة مع نقص بضاعته في العلم، وقال العيني: لم يكن له اشتغال بالعلم بل ان يخدم الناس كثيراً. قلت: والناظر إلى نموذج خطه، لا يجرده من العلم، وحسبه ثلاثون سنة في القضاء، وكانت وفاته سنة: ٨٤٥ هـ.