للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«لو شئت لاتخذت عليه أجراً» أي: لاتخذت على ذلك أجرة لتكون لنا قوة وبلغة على سفرنا.

قال الخضر: «هذا فراق بيني وبينك» أي: لهذا الاعتراض الثالث علي سبب للفراق بيني وبينك يا موسى (١) .

ثم قال له: ?سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً? [الكهف: ٧٨] أي: سأخبرك عن سبب خرق السفينة وقتل الغلام وإصلاحي الجدار، لتعلم أنه لا إنكار علي.

ثم أخذ يبين له ذلك فقال كما قال الله تعالى حكاية عنه: ?أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ? أي: لعشرة مساكين أخوة، ولم يكن لهم معيشة غيرها ورثوها من أبيهم، وكانت تساوي ألف دينار.

ثم قال له الخضر: فأردت أن أعيب هذه السفينة قطعاً لطمع الطامعين فيها، ودفعاً لشرهم، فإنه كان ?وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً? قال: فخرقتها وعبتها لئلا يتعرض لها ذلك الملك ويدعها لعيبها، فإذا جاوزوه صلحوها فانتفعوا بها، وقد أصلحها الخضر بعد مجاوزة الملك.

فائدة: استدل ابن عبد السلام بخرق السفينة مخافة أخذ الغاصب على أنه إذا كان تحت يد الإنسان مال يتيم أو سفيه أو مجنون، وخاف عليه أن يأخذه ظالم، أنه يجب أن يعيبه لأجل حفظها، وقريب من هذه المسالة ما لو خاف الوصي على المال الذي تحت يده من استيلاء ظالم عليه فله تخليصه بشيء منه، والله يعلم المفسد من المصلح، ونظير هذا ما لو كان تحت يده مال يتيم مثلاً وعلم أنه لو لم يبذل منه شيء لقاضي سوء لانتزعه منه وسلمه لبعض خونته وأدي ذلك إلى ذهابه، فإنه يجب عليه أن يدفع إليه شيئاً ويتحرى في أقل ما يمكن إرضاؤه به، والقول قوله إذا نازعه المحجور عليه بعد رشده في بذل ذلك، وإن لم تدل القرائن عليه، وكذلك القول من عيب مال اليتيم قوله ونحوه إذا نازعه اليتيم ونحوه بعد الرشد ونحوه في أنه لم يفعله لهذا الغرض، كما قاله القاضي زكريا في شرح الروض قبيل باب الوديعة أنه الأوجه، قال: لأن ذلك لا يعلم إلا منه غالباً.

ثم أخذ الخضر يبين له ما فعله بالغلام فقال كما قال الله حكاية عنه ?وَأَمَّا الغُلامُ


(١) إلي هنا انتهت الرواية التي عند البخاري وبعدها أكمل السفيري القصة بنحو ما جاء في سورة الكهف من الآية (٧٩) إلي الآية (٨١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>