قال القاضي زكريا: الحكم في الحقيقة منوط بالأصالة لا البول، حتى لو كانا أصليين ويبول بأحدهما ويطأ بالآخر نقض كل منهما، أو كان أحدهما أصلياً والآخر زائداً نقض الأصلي فقط وإن كان يبول بهما، إلا إذا كان الزائد على سنن (١) الأصلي فإن الوضوء ينتقض بالبول منه، قال: وإن التبس الأصلي بالزائد فالظاهر أن النقض منوط بهما معاً لا بأحدهما.
ولو خلق للمرأة فرجان فبالت وحاضت بهما انتقض الوضوء بالخارج من كل منهما فإن بالت وحاضت بأحدهما اختص الحكم به، ولو بالت بأحدهما وحاضت بالآخر فالوجه تعلق الحكم بكل منهما.
ويستثني من الخارج «المني» فإنه لا ينقض الوضوء ولكن يوجب الغسل، ويتصور خروجه من غير جماع بما إذ نام وهو قاعد على وضوء ممكن مقعده من الأرض، أو نزل بفكر أو نظر، وإنما لم ينقض لأنه أوجب أعظم الأمرين وهو الغسل بخصوصه أي: بخصوص كونه منياً.
ولنا مني ينقض الوضوء ولا يوجب الغسل، وصورته: فيما إذا استدخلت المرأة منيها أو مني غيرها بعد انفصاله، ثم توضأت ثم خرج منها فإنه ينقض وضوءها ولا يوجب الغسل.
سؤال: فإن قيل: لأي شيء نقض الحيض الوضوء، مع أنه أوجب أعظم الأمرين بخصوصه، فما الفرق بينه وبين المني؟
جوابه: أنهم فرقوا بينهما من وجوه:
الأول: أن الحيض مانع من صحة الوضوء في الاستدامة، فلا يبقى معه في الابتداء بخلاف الجنابة فإنها لا تمنع صحة الوضوء في الاستدامة، ولا يمتنع بقائه في الابتداء.
الثاني: أن المني خارج طاهر ودم الحيض خارج نجس، فلا يصح إيراده نقضاً لعدم المساواة وقيام الفرق.
الثالث: أن الحيض وخروج المني يختلف أحكامها في التغليظ والتخفيف، فلا يلزم من كون الحيض ناقضاً أن يكون المني ناقضاً قياساً عليه، لأن حدث الحيض استغلظ من حدث الجنابة، لأنه يحرم به أشياء لا تحرم بالمني، وقد ذكر علماء الأصول: أن شرط القياس أن لا يختلف المقيس والمقيس عليه في التغليظ والتخفيف، وحيئنذ فلا يرد
(١) هاكذا بالأصل ومعناه: على صفته من حيث أنه يؤدي به ما يوديه الأصلي.