للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونظير هذا ما أفاده النسفى أيضاً قال: إذا احتضر العارف نزل عليه ملك الموت قبل وجهه فيدفعه الذكر، فيأتي من قبل يديه فتدفعه الصدقة، فيأتي من قبل رجليه فتدفعه الصلاة، فيقول: يارب قد حيل بيني وبينه، فيقول: أكتب إسمي على كفك وأره إياه، فيكتب: «بسم الله الرحمن الرحيم» فإذا رأته روح المؤمن طارت شوقاً إلى ربها.

وفي رواية: تقول الروح لملك الموت: أأنت أسكنتني في هذا الجسد؟ فيقول: لا. فتقول: لا يخرجني إلا الذي أسكتني. فيقول: أنا رسول. فيقول: آتني بعلامة؟ فيقول الله: خذ تفاحة من الجنة فيأخذ تفاحة عليها: «بسم الله الرحمن الرحيم» فإذا رأتها روحه طارت شوقاً إلى الجنة.

الفائدة الثالثة: قال العلامة ابن القيم: لبكاء الصبي حال خروجه إلى هذه الدار سببان أحدهما: باطن أخبر به الصادق المصدوق لا يعرفه الأطباء، والثانى: ظاهر.

فأما السبب الباطن فهو: أن الله سبحانه وتعالى اقتضت حكمته أن وكل بكل واحد من أولاد آدم شيطاناً، فشيطان المولود قبل انفصاله محبوس عنه، ينتظر خروجه ليقارنه ويتوكل به، فإذا انفصل استقبله الشيطان وطعن في خاصرته تغيظاً عليه، واستقبالاً له بالعداوة التي كانت بينه وبين الأبوين قديماً فيبكي المولود من تلك الطعنة.

وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «صياح المولود حين يقع نزغة من الشيطان» (١) .

والسبب الظاهر: مفارقته للمألوف والعادة التي كان فيها إلى أمر غريب، فإنه ينتقل من جسم حار إلى هواء بارد، ومكان لم يألفه فيستوحش من مفارقه وطنه ومألفه.

وقيل: سبب بكائه انتقاله إلى دار يلقى فيها الشدائد والآلام، والمخاوف والأسقام كما أشار إلى ذلك بعضهم بقوله:

ويبكي بها المولود حتى كأنه ... بكل الذي يلقاه فيها يهدد

وإلا فما يبكيه فيها وإنها ... لأوسع مما كان فيه وأرغد

الفائدة الرابعة: الحكمة في قبض المولود كفه عند خروجه إلى الدنيا، الإشارة إلى


(١) أخرجه مسلم (٤/١٨٣٨، رقم ٢٣٦٧) . وأخرجه أيضاً: ابن حبان (١٤/٦٢، رقم ٦١٨٣) ، والطبراني في الأوسط (٢/٢٤٤، رقم ١٨٧٢) ، وفي الصغير (١/٣٩، رقم ٢٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>