للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه خرج إليها مركباً على الحرص والجمع، والحكمة في فتح كفه عند خروجه منها الإشارة إلى أنه فارق الدنيا صفر اليدين منها، ونظم بعضهم هذا فقال:

وفي قبض كف المرء عند ولادة ... دليل على الحرص الذي هو مالكه

وفي فتحها عند الممات إشارة ... إلى فرقة المال الذي هو تاركه

الفائدة الخامسة: سأل بعضهم فقال: كيف يكون للوالدين على الولد إنعام وإحسان ويستحقان ميراثه، وقد طلبا اللذة بالجماع لأنفسهما، فلزم منه دخول الولد في دار الهموم والأحزان والآفات والتبعات.

قيل للإسكندر: أستاذك أعظم منه عليك أم والدك فقال: الأستاذ أعظم منةً لأنه تحمل عني أنواع الشدائد والمحن عند تعليمي، فأوقعني في نور العلم، وأما الوالد فإنه طلب اللذة فأخرجني إلى آفات عالم الكون والفساد.

وأجيب عن السؤال: بأن العاقل لا يقدم على الوقاع لأجل اللذة في أول الأمر، إلا أنه إذا حصل الولد اهتم به بإيصال الخيرات، ودفع الآفات من أول دخوله في الوجود إلى وقت بلوغه فقد استحق الميراث، وانقطعت هذه الشبهات، وثبت له عليه الفضل والإحسان.

الفائدة السادسة: أكثر العلماء على أن الجنة فيها جماع ولا يولد فيها لأحد ولد، واستدل على ذلك بدلائل منها:

قوله تعالى: ? وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ? [البقرة: ٢٥] قال عطاء: المعنى مطهرة من الولد والحيض والغائط والبول.

ومنها: أن الله سبحانه وتعالى جعل الحمل والولاة مع الحيض والمني، فلو كان النساء يحملن لم ينقطع عنهن الحيض والإتزال.

ومنها: أن الله تعالى قدر التناسل في الدنيا لأنه قدَّر الموت وإخراجهم إلى هذه الدار قرنا بعد قرن، وجعل لهم أمد ينتهون إليه، ولولا التناسل لبطل النوع الإنساني.

ولهذا الملائكة لا يتناسلون فإنهم لا يموتون كما يموت الإنس والجن، فإذا كان يوم القيامة أخرجهم الله سبحانه وتعالى كلهم من الأرض وأنشأهم للبقاء لا للموت فلا يحتاجون إلى تناسل لحفظ النوع الإنساني، إذ هو منشأ للبقاء الدوام، فلا أهل الجنة يتناسلون ولا أهل النار.

وذهب بعض العلماء إلى أن المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة واستدل على ذلك بحديث خرَّجه الترمذي وابن ماجه وقال

<<  <  ج: ص:  >  >>