للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وها هنا إشكال آخر وهو: كيف أطلق أنس على أبي هريرة أنه غلام، والغلام يسمى به الصبي إلى بلوغه، وأبو هريرة لما أسلم كان عمره ثمان عشرة، أو تسع عشرة سنة.

وجواب هذا الإشكال أيضاً: أن الغلام يطلق على معان:

يطلق على الولد من حين يولد إلى أن يبلغ وليس مراداً هنا.

ويطلق على الذي طرَّ شاربه أي: نبت.

ويطلق على الكهل، كما قال ذلك صاحب القاموس وقال: إنه من الأضداد، أي: يطلق على الكبير والصغير.

وحينئذ يقال: إنما أطلق أنس الغلام على أبي هريرة لأنه كان إذ ذاك ابن ثمان عشر سنة، وذلك زمن ينبت فيه الشارب، غالباً ومن طر شاربه يسمى غلاماً كما تقدم.

ومما يدل على جواز إطلاق الغلام على من جاوز البلوغ، بل على الرجل الكامل المسن بما ورد في حديث المعراج أن موسى - صلى الله عليه وسلم - أطلق لفظ الغلام على نبينا - صلى الله عليه وسلم - فإنه لما مر على موسى بكى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمتة أكثر ممن أن دخلها من أمتي (١) .

وسنذكر في موضعه حكمة إطلاق الغلام على نبينا - صلى الله عليه وسلم -.

«والعنزة» التي كانت تحمل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخلاء وغيره: عصا في أسفلها زج كزج الرمح، و «الزج» الحديد التي في أسفل الرمح، يعني السنان.

واختلف فيها هل كانت قصيرة أو طويلة؟

فقيل: إنها عصا مثل نصف الرمح.

وقيل: هو أطول من العصا وأقصر من الرمح، وفيها زج.

قال الداودي (٢) : «العنزة» : العكاز أو الرمح أو الحربة أو نحوها، يكون في أسفلها زج أو قرن.

فائدة: قال ابن الملقن: هذه العنزة أهداها النجاشى - صلى الله عليه وسلم - له.

وقال ابن سيد الناس: كانت للزبير بن العوام قدم بها من أرض الحبشة، فأخذها منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت تحمل معه إلى الخلاء، ويستصحبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر


(١) أخرجه البخاري (٣/١٤١٠، رقم ٣٦٧٤) ، ومسلم (١/١٤٩، رقم ١٦٤) ، وابن حبان (١/٢٣٦، رقم ٤٨) عن أنس.
(٢) الداودي هو: أحمد بن نصر، أبو حفص الداودي، فقيه مالكي، له كتاب: الأموال، في أحكام أموال المغانم والأراضي التي يتغلب عليها المسلمون، توفي سنة: ٣٠٧ هـ‍.

<<  <  ج: ص:  >  >>