للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٢- فيه دليل على وجوب احتجاب النساء من الرجال غير المحارم، مع صريح القرآن في ذلك، فقد كان التعذر في أول الإسلام فبقى على عادة الجاهلية حتى حرم سنة خمس من الهجرة وهكذا جميع الشرائع الإسلامية لم يلزم الناس بها دفعة واحدة، أو في سنة واحدة. وإنما تنزل شيئاً فشيئا، يستدرج بها الشارع الحكيم الناس لتخف عليهم فيقوموا بها. والله حكيم في شرعه، عليم بأحوال خلقه.

وما يفوه به دعاة السفور، ممن لا حظ لهم من علم، ولا نصيب لهم من فكر، ولا وازع لهم من ضمير وخُلُق- مع كونهم لم يفكروا فيما يجره من المفاسد والعواقب الوخيمة، لم يستندوا فيه إلى نقل صحيح، ولا على عقل واع، ولا على ذوق مستقيم.

وإلا فإن السفور هو أول الشر، وهو السبب في اختلاط الجنسين الذي جرَّ المصائب، وهتك الأعراض، وأفسد البيوت وفرق الأسر، وسبب الخيانات.

والذين أباحوه- وهم قلة- لا يستندون إلى دليل، ولو رأوْا ما صار إليه الناس، وما آل إليه أمر البلاد التي تدرجت إلى الشر بإباحته، لتمنوا الرجوع إلى أجداثهم.

{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أمْرهِ أنْ تُصيِبَهُمْ فِتْنَة أو يصيبهم عذاب أليم} فإنا لله، وإنا إليه راجعون.

اللهم بَصر عبادك في أمر دينهم، وأعدهمْ إلى حظيرته. يا سميع الدعاء.

الحديث الرابع

وَعَنْهَا قالَت: دَخَلَ عَلَي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل، فَقَالَ: يَا عَاِئشَةُ، مَنْ هذَا؟ قُلْتُ: أخِي مِنَ الرضَاعَةِ.

فَقالَ: "يَا عَائشَة، انظُرنَ مَنْ إخْوَانكُن، فإنمَا الرضَاعَةُ مِنَ المجَاعَةِ".

المعنى الإجمالي:

دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة، فوجد عندها أخاها في الرضاعة- وهو لا يعلم عنه- فتغير وجهه صلى الله عليه وسلم، كراهةً لتك الحال، وغيرة على محارمه.

فعلمت السبب الذي غيَّر وجهه، فأخبرته: أنه أخوها من الرضاعة.

فقال: يا عائشة انظرْن وتثبتنَ في الرضاعة، فإن منها ما لا يسبب المحرمية، فلا بد من رضاعة ينبت عليها اللحم وتشتد بها العظام، وذلك أن تكون من المجاعة، حين يكون الطفل محتاجا إلى اللبن، فلا يتقوت بغيره، فيكون حينئذ كالجزء من المرضعة، فيصير كأحد أولادها، فّتثبت المحرمية.

<<  <   >  >>