يعني أن القياس مقدم عند مالك على خبر الواحد لكن فروع مذهبه تقتضي خلاف هذا وأنه يقدم خبر الواحد على القياس كتقديمه خبر صاع التمر في المصراة على القياس الذي هو رد مثل اللبن المحلوب من المصراة لأن القياس ضمان المثلى بمثله وهذا هو الذي يدل عليه استقراء مذهبه مع أن المقرر في أصوله أيضاً ان كال قياس خالف نصاً
من كتاب أو سنة فهو باطل بالقادح المسمى في اصطلاح أهل الأصول فساد الاعتبار وعقدة في المراقي بقوله في القوادح:
والخلف للنص أو إجماع دعا ... فساد الاعتبار كل من وعى
وهذا القول هو الحق الذي لا شك فيه لان القياس لا يجوز مع وجود النص من النبي صلى الله عليه وسلم قال مقيدة عفا الله عنه: قدم مالك وغيره من العلماء الخبر على نوع القياس المسمى عند الشافعي بالقياس في معنى الأصل وهو المعروف بتنقيح المناط.
وهو مفهوم الموافقة في صورة لا يكاد العقل السليم يستسيغ فيها تقديم الخبر على القياس المذكور وقد بينا في كتابنا أضواء البيان في سورة بني إسرائيل ان ذلك لا يمكن فيما يظهر لنا كما أنكره ربيعة ابن ابي عبد الرحمن وذلك هو ما رواه مالك في الموطأ والبيهقي عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن انه قال لسعيد بن المسيب كم في اصبع المرأة قال عشر من الإبل قلت فكم في إصبعين قال عشرون من الإبل قلت فكم في ثلاثة أصابع قال ثلاثون من الإبل قلت فكم في أربعة أصابع قال عشرون من الإبل قلت حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها
قال سعيد أعراقي أنت قلت بل عالم نتثبت أو جاهل متعلم قال هي السنة يا ابن أخي فكون عقل ثلاثة أصابع من أصابع المرأة ثلاثين من الابل وعقل أربعة أصابع من اصابعها عشرين من الإبل ينافي ما علم من حكمة الشرع الكريم ووضعه الأمور في مواضعها وايقاعها في مواقعها كما بيناه في كتابنا المذكور وتكلمنا على سند الحديث المقتضي لذلك وعلى المراد بالسنة في قول سعيد بن المسيب هي السنة يا ابن أخي وبالجملة فلزوم ثلاثين من الإبل في ثلاثة أصابع يقتضي بقياس التنقيح الاحروى المعروف بالقياس في معنى الأصل.
ان أربعة أصابع لا يمكن أن تقل ديتها عن ذلك لانها مشتملة على الثلاثة وزيادة اصبح وحديث معاذ الذي استدل به المؤلف ضعفه غير واحد والمناقشة في