فالحاصل أن هذا القرآن المحفوظ في الصدور، المقروء بالألسنة المكتوب في المصاحف هو كلام الله تعالى بألفاظه ومعانيه تكلم به الله تعالى فسمعه جبريل منه وتكلم به جبريل فسمعه النبي - صلى الله عليه وسلم - منه، وتكلم به النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمعته منه أمته وحفظته عنه، فالكلام كلام الباري والصوت صوت القارئ. قال الله تعالى:" فأجره حتى يسمع كلام الله " الآية. وعرف القرآن في المراقي بقوله:
لفظ منزل على محمد ... لأجل الاعجاز وللتعبد
فصرح بأن القرآن لفظ، أي مشتمل على تلك المعاني العظيمة لا مجرد المعنى القائم بالذات، المجرد عن الألفاظ والحروف، والكتاب هو القرآن بلا شك، ومن ادعى أنه غيره كما نسبه المؤلف لقوم، فان مقصودهم بالتغاير تغاير المفهوم لا تغاير المصدوق، فإن ما يصدق عليه القرآن، هو ما يصدق عليه الكتاب، وهو هذا القرآن العظيم وان كان التغاير حاصلا في مفهومهما، فان مفهوم الكتابة هو اتصاف هذا القرآن بأنه مكتوب ومفهوم القرآن هو اتصافه بأنه مقروء، والكتابة غير القراءة بلا شك، ولكن ذلك الموصوف بأنه مكتوب هو بعينه
الموصوف بأنه مقروء، فهو شيء واحد موصوف بصفتين مختلفتين ومن هنا ظهر لك أن القرآن والكتاب واحد، باعتبار المصدوق وان تغاير باعتبار المفهوم.
وكتاب الله هو ما نقل إلينا بين دفتي المصحف نقلاً متواتراً ولا خلاف بين العلماء في قراءة السبعة، نافع المدني وابن كثير المكي وابن عامر الشامي وابي عمرو البصري وعاصم وحمزة والكسائي والكوفيين وكذلك على الصحيح قراءة الثلاثة: أبي جعفر وخلف ويعقوب. قال في المراقي: