الضابطين وقياسها بمقياس حديثهم, فإن وافقهم في روايتهم غالبا ولو من حيث المعنى فهو ضابط ولا تضر مخالفته لهم النادرة, فإن كثرت مخالفته لهم, وندرت الموافقة اختل ضبطه ولم يحتج بحديثه١.
وإذا أثبت عدالة الراوي وضبطه ثبت أنه ثقة تجب الطمأنينة إليه، وترجح جانب صوابه على جانب خطئه, وليس بعد تحقق الطمأنينة وترجح جانب الصواب من الراوي إلا قبول روايته, وبعد تحقق العدالة والضبط وشروطهما يصير احتمال الكذب أو الغلط من الراوي احتمالا بعيدا جدا إن لم يكن غير ممكن, بل هو لا يعدو أن يكون أمرا جائزا جوازا عقليا، وبالعدالة والضبط يحوز الراوي درجة القبول. ويتهيأ مرويه للنظر فيه, ويتأهل إسناده للبحث عنه.
فإذا قبل الراوي ينظر للمروي هل توفرت فيه شروط القبول؟ وهي: السلامة من الشذوذ ومن العلة، وذلك بألا يخالف الثقة من هو أوثق منه فيما رواه, وبأن يسلم المروي من قادح خفي تظهر السلامة منه, فإذا تخطى المروي هذه العقبة فإنه ينظر للرواية. فإذا تحقق اتصال الإسناد وسلامته من الخلل وانتفى عنه التعليق والإرسال والانقطاع والإعضال والتدليس والاضطراب ومخالفة الأرجح عددا أو صفة كان المتن أهلا للقبول, وترجحت نسبته إلى من عزي إليه ترجحا قويا يكاد يصل عند أهل هذا الفن المتمرسين فيه, والذين اكتسبوا ملكة النقد بمزاولته إلى حد العلم واليقين.
وهكذا يظهر لنا جليا أن الشروط التي وضعها المحدثون للراوي والمروي والرواية يوجب الثقة والطمأنينة إلى الراوي والمروي, وأنها تمثل أدق الأصول في النقد وأوفاها وأرقاها, وأن علم الرواية في الإسلام من مفاخر الأمة الإسلامية.
١ التدريب ص١١٠ ومثل ذلك إدراك استقامة الخط المستقيم بقياسه بالمسطرة في المحسوس فإذا لم تخرج عن استقامة المسطرة كان مستقيما وإلا فلا.