"آراء العلماء في التوفيق بين أحاديث الإذن وحديث النهي":
وقد اختلف العلماء في التوفيق بين أحاديث الإذن وحديث النهي فمنهم من قال: إن الإذن لمن خيف عليه النسيان كأبي شاه, والرجل الأنصاري, والنهي لمن أُمِنَ عليه النسيان ووثق بحفظه, وخيف اتكاله على الكتابة, فيكون النهي مخصوصًا به.
ومنهم من قال: إن النهي خشية أن يلتبس على البعض الحديث بالقرآن الكريم, أو أن يكون شاغلًا لهم عنه, والإذن لمن أمن عليه ذلك بأن كان قارئًا كاتبًا, ويؤمن عليه الانصراف عن القرآن والاشتغال بالسنة كعبد الله بن عمرو بن العاص وسيدنا عليّ رضي الله عنهم.
ومنهم من أعل حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه مسلم وقال: إنه موقوف عليه, ومنهم الإمام البخاري, وهذا غير مسلم فإن الحديث صحيح ولا ريب.
ومنهم من قال: إن أحاديث الإذن ناسخة لحديث النهي, وإن النهي كان في مبدأ الأمر حين خيف اشتغالهم بالأحاديث عن القرآن أو خيف اختلاط غير القرآن بالقرآن, ثم لما أمن ذلك نسخ, قال الحافظ في الفتح "وهو أقربها مع أنه لا ينافيها", وهذا الرأي هو الصحيح, ويؤيد القول بالنسخ, أن بعض أحاديث الإذن متأخرة التاريخ فأبو هريرة رضي الله عنه راوي حديث كتابة عبد الله بن عمرو وهو متأخر الإسلام فقد أسلم في أوائل العام السابع عقب خيبر مما يدل على أن عبد الله كان يكتب بعد إسلامه, وقصة أبي شاه كانت عام الفتح سنة ثمانٍ, وحديث طلب النبي كتابًا ليكتبوا له ما كان يريد قبيل وفاته, ولو كان حديث أبي سعيد في النهي متأخرًا عن هذه الأحاديث لعرف ذلك عند الصحابة يقينًا، إذ مثل ذلك مما لا يخفى عليهم.
ثم جاء إجماع الأمة على الكتابة بعد قرينة على أن الإذن هو الأمر