اتفق العلماء على أن الصحيحين أصح كتب الحديث قاطبة, ولكنهم اختلفوا: أيهما أصح؟
فالذي ذهب إليه جمهور العلماء أن صحيح البخاري أصح الكتابين وأكثرهما فوائد وذهب أبو علي النيسابوري شيخ الحاكم إلى ترجيح صحيح مسلم على صحيح البخاري, روي عنه أنه قال:"ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم"١, وقد وافقه على رأيه بعض علماء المغرب.
والتحقيق أنهم إن أرادوا ترجيح صحيح مسلم فيما يرجع إلى حسن البيان والسياق للأحاديث وجودة الوضع والترتيب بسرد الروايات التي هي في موضوع واحد في مكان واحد, فهذا مسلم بل هو مما امتاز به صحيح مسلم على صحيح البخاري.
وإن أرادوا غير هذا، وأن الترجيح يرجع إلى شروط الصحة فالحق مع الجمهور؛ وذلك لأن الصفات التي تدور عليها الصحة في كتاب البخاري أتم منها في كتاب مسلم وأسد، وشرطه فيها أقوى وأشد.
وإليك بيان ذلك:
١- أما رجحانه من حيث اتصال السند "فلأن البخاري اشترط في
١ لا يقال: إن عبارة أبي علي النيسابوري لا تدل على أرجحية كتاب مسلم على كتاب البخاري؛ لأن غاية ما تفيده نفي وجود كتاب أصح من كتاب مسلم وهذا لا يدل على نفي المساواة فلا تكون مقالة أبي علي نصا في الأرجحية؛ لأنا نقول ما ذكره هذا القائل إنما هو بحسب الوضع اللغوي أما بحسب العرف اللغوي فلا وقد صرح أئمة البلاغة بأن هذا التركيب يقصد به نفي الأفضلية ونفي المساواة أيضا؛ لأنه المتبادر من الكلام وعلى هذا فتكون عبارة أبي علي دالة على أرجحية كتاب مسلم على غيره.