للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشافعي أنه قال: التدليس أخو الكذب، وقال أيضا: "لأن أزني أحب إليَّ من أن أدلس", واعتبر ابن الصلاح هذا القول من شعبة مبالغة في الزجر عنه والتنفير منه١.

"حكم هذا النوع": وقد اختلف العلماء في قبول رواية من عرف بهذا النوع من التدليس, فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحا بذلك، وقالوا: لا تقبل روايته بحال بين السماع أو لم يبين، ونقل السيوطي في التدليس أن ابن عبد البر نقل عن أئمة الحديث أنه يقبل تدليس ابن عيينة؛ لأنه إذا وقف أحال على ابن جريج ومعمر ونظرائهما، ورجحه ابن حبان وقال: هذا شيء ليس في الدنيا إلا لسفيان بن عيينة, فإنه كان يدلس, ولا يدلس إلا عن ثقة متقن, ولا يكاد يوجد له خبر دلس فيه إلا وقد بين سماعه عن ثقة مثل ثقته, ثم مثل ذلك بمراسيل كبار التابعين, فإنهم لا يرسلون إلا عن صحابي وسبقه إلى ذلك أبو بكر البزار وأبو الفتح الأزدي٢ وهذا يعتبر قول ثان.

والصحيح التفصيل: فما رواه المدلس بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع والاتصال, فهو مرسل لا يقبل، وما رواه بلفظ مبين للاتصال, نحو سمعت وحدثنا وأخبرنا ونحوها, فهو مقبول محتج به، وليس أدل على هذا من أنه يوجد في الصحيحين وغيرهما من هذا الضرب كثير كقتادة، والسفيانين٣ وهشام بن بشير، وعبد الرزاق، والوليد بن مسلم؛ لأن التدليس ليس كذبا, وإنما هو ضرب من الإيهام بلفظ محتمل، وهذا الحكم جار كما نص عليه الشافعي فيمن دلس ولو مرة واحدة.

ومما ينبغي أن يعلم أن ما كان في الصحيحين وأشباههما من الكتب التي التزمت الصحة من الرواية عن المدلسين الذين رووا بلفظ عن


١ علوم الحديث ص٨١.
٢ تدريب الراوي ص٨٠.
٣ سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري.

<<  <   >  >>