وقد سئل ابن حجر الهيثمي عن خطيب يرقى المنبر كل جمعة، ويروي أحاديث، ولم يبين مخرجيها ودرجتها، فقال: ما ذكره من الأحاديث في خطبه من غير أن يبين رواتها، أو من ذكرها فجائز بشرط أن يكون من أهل المعرفة بالحديث، أو ينقلها من مؤلف صاحبه كذلك، وأما الاعتماد في رواية الأحاديث على مجرد رؤيتها في كتاب ليس مؤلفه من أهل الحديث، أو في خطب ليس مؤلفها كذلك فلا يحل، ومن فعل عزر عليه التعزير الشديد، وهذا حال أكثر الخطباء، فإنهم بمجرد رؤيتهم خطبة فيها أحاديث حفظوها، وخطبوا بها من غير أن يعرفوا أن لتلك الأحاديث أصلا أم لا فيجب على حكام كل بلد أن يزجروا خطباءها عن ذلك.
أقول: لا يزال بعض الخطباء الذين ليس لهم علم بالحديث: رواية ودراية على هذا ولا سيما الذين لا يزالون يخطبون من الدواوين، والذين يهمهم استرضاء الجماهير فيذكرون لهم أحاديث في الترغيب، والترهيب، أغلب الظن أنها من وضع القصاص الذين كان همهم تملق الجماهير، واستمالتهم بذكر المبالغات والتهاويل والعجائب، والإسلام منها بريء، وما أحق هذه الفئة بأن يحال بينها وبين الخطابة والوعظ والتذكير وفي الأحاديث الصحاح، والحسان، غنية لمن يريد أن يرفق القلوب ويستولي على النفوس فليتق الله هؤلاء.
ومن الحق في هذا المقام أن أقول: إن الكثيرين من الوعاظ والمرشدين والأئمة والخطباء، لهم من علمهم، ووعيهم الديني والثقافي ما يعصمهم من الوقوع في رواية الموضوعات، والقصص الباطلة، والإسرائيليات الزائفة، وتحري الصدق في رواية الأحاديث، وذكر الأقاصيص، وهو أثر من آثار النهضة العلمية التخصصية في الدراسات العليا في الأزهر الشريف، ولا سيما "تخصص التفسير والحديث" و"تخصص الدعوة والوعظ، والإرشاد" مما يزيد عن نصف قرن.