محمد عبده في دروسه وتفسيره، وبعض رسائله، وفارس هذا الحلبة هو الحافظ ابن كثير فقد جاء تفسيره مصفى من الموضوعات والإسرائيليات وكان له فضل التنصيص على بطلانها، وكيف تسربت إلى الإسلام؟ ومن أين أتت وإذا كان ذكر شيئا منها في كتابه فللتنبيه عليها لا للاستشهاد بها والاستدلال، ولا عجب فهو حافظ وله بصر بالنقد بل هو من مدرسة معروفة بأصالة النقد, وهي مدرسة الإمام ابن تيمية, ولو أن المفسرين رزقوا هذه الملكة في النقد لما وقعوا في ذكر الموضوعات والإسرائيليات.
"حديث موضوع باتفاق الحفاظ":
ومن الموضوعات في فضائل السور الحديث الطويل المروي عن أبي بن كعب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضائل القرآن سورة, وقد خطأ المحدثون من ذكره من المفسرين في كتبهم كالثعلبي، والواحدي، والزمخشري، والبيضاوي وأبي السعود لكن من أبرز سنده كالأولين, فهو أبسط لغدره إذ أحال ناظره على الكشف على سنده، وأما من لم يبرز سنده ورواه بصفة الجزم فخطؤه أفحش كالآخرين١.
روي عن المؤمل بن إسماعيل قال: حدثني شيخ به فقلت للشيخ: من حدثك بهذا؟ قال: حدثني شيخ بالمدائن وهي حي، فصرت إليه، فقلت: من حدثك بهذا؟ قال: حدثني شيخ بواسط، وهو حي، فصرت إليه، فقال: حدثني شيخ بالبصرة، فصرت إليه، فقال: حدثني شيخ بعبادان، فصرت إليه، فأخذني فأدخلني بيتا فإذا فيه قوم من المتصوفة، ومعهم شيخ، فقال: هذا الشيخ حدثني، فقلت: يا شيخ من حدثك؟ فقال: لم
١ بعض العلماء يرى أنه ما دام ذكر السند, فقد خرج من التبعة وعلى من تبلغه الرواية البحث في سندها حتى يتوصل إلى معرفة درجة الحديث من الصحة أو الحسن أو الضعف، وقد وقع هذا لجماعة من كبار الأئمة ومن هؤلاء -كما في فتح المغيث للسخاوي- الطبراني، وابن مندة، والحكيم الترمذي، وأبو الليث السمرقندي، وقد كان علماء عصرهم يعرفون الأسانيد بالنظر فيها فتبرأ ذمتهم من العهدة بذكر السند قال السخاوي: ولا تبرأ في هذه الأعصار بالاقتصار على إيراد الروايات الباطلة بذكر مسانيدها من غير بيانه, لعدم الأمن من المحذور به، أقول: وهو الحق ومن لم يبين فهو آثم.