التحامل عليه بغير وجه حق، ومن الأهواء والشهوات النفسية حتى لا تميل به إلى جانب الباطل، وأن ينزل نفسه منزلة القاضي العادل النزيه الذي يبذل قصارى جهده في الوصول إلى الحق وقد علمنا فيما سبق أن الجرح أبيح للضرورة فليتق الله من يتصدى لذلك، وليكن على حذر من انتهاك الأعراض بلا سبب وبينة قال الإمام السبكي: من لا يكون عالما بأسبابهما -أي الجرح والتعديل- لا يقبلان منه لا بإطلاق ولا بتقييد، ولا يقبلان إلا من عدل متيقظ" وعلى من نصب نفسه للتعديل والتجريح ونقد الرواة أن يؤهل نفسه لذلك بطول البحث وكثرة التنقيب، وسعة الاطلاع، والعلم بالنفس البشرية وغرائزها وبالمباحث التي تعينه على الإصابة في الحكم, وإلا جاءت أحكامه باطلة بعيدة عن روح العدل والإنصاف.
قال الحافظ ابن حجر: "حق على المحدث أن يتورع فيما يرويه، وأن يسأل أهل المعرفة والورع ليعينوه على إيضاح مروياته ولا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكي نقلة الأخبار ويجرحهم جهبذا إلا بإدمان الطلب والفحص عن هذا الشأن وكثرة المذاكرة والسهر، والتيقظ والتفهم مع التقوى والدين المتين، والإنصاف والتردد إلى العلماء والإتقان.
وإلا فدع عنك الكتابة لست منها ... ولو سودت وجهك بالمداد
وقال أيضا: وليحذر المتكلم في هذا الفن من التساهل في الجرح والتعديل فإنه إن عدل أحدا بغير تثبت كان كالمثبت حكما ليس بثابت فيخشى عليه أن يدخل في زمرة من روى حديثا وهو يظن أنه كذب، وإن جرح بغير تحرز أقدم على الطعن في مسلم بريء من ذلك ووسمه بوسم سوء يبقى عليه عاره أبدا، والآفة تدخل في هذا تارة من الهوى