للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل له أيضًا: إنك تقول للشيء هذا صحيح وهذا لم يثبت فعمن تقول ذلك؟ فقال: أرأيت لو أتيت الناقد فأريته دراهمك، فقال: هذا جيد، وهذا بهرج١. أكنت تسأل عن ذلك، أو تسلم له الأمر؟ قال: بل أسلم له الأمر، قال: فهذا كذلك بطول المجالسة والمناظرة والخبرة.

وسئل أبو زرعة الرازي: ما الحجة في تعليلكم الحديث؟ فقال: الحجة أن تسألني عن حديث له علة، فأذكر علته ثم تقصد ابن وارة -يعني محمد بن محمد بن وارة- فتسأله عنه فيذكر علته، ثم تقصد أبا حاتم -يعني الرازي- فيعلله، ثم تميز كلامنا على ذلك الحديث، فإن وجدت بيننا خلافًا فاعلم أن كلًّا منا تكلم على مراده، وإن وجدت الكلمة متفقة فاعلم حقيقة هذا العلم، ففعل الرجل ذلك، فاتفقت كلمتهم، فقال: أشهد أن هذا العلم إلهام.

"تعليق على كلمة ابن مهدي أن هذا العلم إلهام":

قد يوهم ظاهر هذه الكلمة أن هذا العلم لا يحتاج إلى طول بحث ونظر، وموازنة بين الروايات وجمعها كي يصل الإمام المعلل إلى الحق والصواب.

وهذا الظاهر غير مراد قطعًا بعد ما ذكرنا من كلمة الإمام علي بن المديني، وبعد ما هو معلوم من أن العلماء الذين اشتغلوا بعلل الأحاديث لم يدعوا وسيلة من وسائل العلم بالأحاديث، والبحث عن حقائق أمورها إلا سلكوها، وذلك عن طريق جمع الروايات ونقدها على حسب قواعدهم الدقيقة، والموازنة بينها حتى وصلوا إلى الحق والصواب في هذا، والكتب التي ألفت في العلل أكبر شاهد على هذا، إن في هذه الكتب ما يدل دلالة ظاهرة على سعة علم هؤلاء العلماء بالروايات، وعلى دقة أنظارهم في النقد.


١ بهرج على وزن جعفر الرديء المغشوش من الفضة.

<<  <   >  >>