للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كان المعول عليه في حفظ القرآن, وضبط كلماته هو التلقي والسماع, فقد تلقوه كله عنه آية آية, وكلمة كلمة, وحرفا حرفا من غير تحريف أو تبديل أو زيادة أو نقصان، ثم بلغوه كما تلقوه لمن بعدهم وهكذا نقله كل جيل عمن قبله حتى وصل إلينا كما أنزله الله غضا طريا كأن عهده بالنزول أمس.

وبذلك اجتمع للقرآن الكريم الحفظ في الصدور, والكتابة في السطور, والتلقي الشفاهي والكتابي, وصدق الله حيث يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ١. ولم تقف عنايتهم بالقرآن عند حفظ لفظه. وضبط كلماته بل عنوا برواية كل ما يتصل بالقرآن كتفسيره, ومكيه ومدنيه, وأسباب نزوله, والأحرف التي نزل عليها, وقراءاته، ورسمه. ووقوفه, وطرق أدائه ونحوها.

لم لم تدون الأحاديث كلها في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم:

وإنما لم تدون الأحاديث كلها "كالقرآن" في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمور:

١- لفشو الأمية، وعدم توفر أدوات الكتابة فيهم.

٢- ولسعة حفظهم, وسيلان أذهانهم، واعتمادهم على الحفظ أكثر من اعتمادهم على الكتابة.

٣- لورود النهي عن ذلك. فقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه" ٢, وهذا هو الحديث الوحيد -فيما أعلم- في هذا المعنى, وسيأتي بيان وجهة هذا النهي.

وقد كان هذا النهي بمثابة إشحاذ الهمم، وتقوية العزائم لحفظ الأحاديث والسنن, وتبليغها للغير باللفظ إن أمكن وإلا فبالمعنى, ولا سيما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحثهم ويرغبهم في ذلك بمثل ما ذكرناه آنفا.


١ الحجر ٩.
٢ صحيح مسلم، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم في أواخر الصحيح.

<<  <   >  >>