للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فضعيف من جهة معناه كان مقتضاه أن لا يعد جرير بن عبد الله البجلي١, وأمثاله كوائل بن حجر صحابة، ولا خلاف بين العلماء أنهم صحابة؛ ولكن الإمام العراقي قال: إن نقل هذا المذهب عنه غير صحيح؛ لأن في الإسناد إليه محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف في الحديث.

ولعل مما يشهد لما قاله بعض الأصوليين, ونقل عن ابن المسيب ما رواه محمد بن سعيد بسند جيد في كتابه "الطبقات" عن علي بن محمد عن شعبة عن موسى السيلاني٢, وأثنى عليه خيرًا قال: أتيت أنس بن مالك فقلت له: أنت آخر من بقي من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ قال: "قد بقي قوم من الأعراب قد رأوه، وأما من صحبه فأنا آخر من بقي", وقد رواه الإمام مسلم بحضرة أبي زرعة، ويمكن أن يجاب عن هذا بأنه أراد صحبة خاصة، ولا ينفي هذا ما اصطلح عليه الجمهور من أن مجرد الرؤية كاف في إثبات الصحبة.

وهناك أقوال أخرى غير معتد بها، منها ما قاله الجاحظ: إن الصحابي من طالت صحبته للنبي وروى عنه، ومنها أنه من رآه بالغًا حكاه الواقدي، ومنها أنه من أدرك زمنه وإن لم يره، وشرط الماوردي في الصحابي أن يتخصص بالرسول ويتخصص به الرسول٣.

والصحيح ما قدمناه عن محققي المحدثين، وهو الذي يشهد له صنيع جمهور المؤلفين في الصحابة، وذلك لشرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجلالة قدره، وقوة تأثيره في نفس من يراه من المسلمين، فكأنه إذا رأى مسلمًا أو رآه


١ الصحيح أن جرير البجلي أسلم في رمضان سنة عشرة من الهجرة, أما ما روي أنه أسلم في أول البعثة, أو أنه أسلم قبل وفاة النبي بأربعين يومًا فغير صحيح.
٢ قال العراقي: وقع في مقدمة ابن الصلاح "السبلاني" بفتح السين المهملة وفتح الباء الموحدة, والمعروف أنه بسكون الياء المثناة من تحت هكذا ضبطه السمعاني في الأنساب.
٣ التدريب ص٢٠٤.

<<  <   >  >>