للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الصحابة نحو من مائة وعشرين نفسًا مقلون في الفتيا جدًّا, لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة، والمسألتان، والثلاث يمكن أن يجمع من فتيا جميعهم جزء صغير بعد البحث كأبي بن كعب وأبي الدرداء، وأبي طلحة، والمقداد وغيرهم وسرد الباقين"١.

وقد يستشكل عد ابن حزم أُبيًّا وأبا الدرداء من المقلين, بينما عدهم مسروق أنهم ممن انتهى إليهم العلم من الصحابة، وكذلك اختلاف العلماء في الأكثر أو الأقل رواية وفتوى.

والذي يظهر لي في الجواب -والله أعلم- أنه لا يلزم من كثرة العلم والفتيا في الحقيقة ونفس الأمر أن ينقل ذلك عنه، فهناك أئمة كبار ملئوا الأرض علمًا كالليث والأوزاعي, ولكن لم ينقل لنا من علمهم وفقههم إلا القليل، وذلك لقلة تلاميذهم وأتباعهم أو لغير ذلك من الأسباب، وهناك أئمة لولا تلاميذهم لما وصل إلينا هذا العلم الكثير عنهم، يؤيد هذا ما روي عن عليّ بن المديني أنه قال: "لم يكن أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- له أصحاب يقومون بقوله في الفقه إلا ثلاثة: عبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وابن عباس -رضي الله عنهم- كان لكل رجل منهم أصحاب يقولون بقوله، ويفتون الناس به"٢, ولعل مراده أن هؤلاء أكثر من غيرهم تلامذة وأتباعًا أمناء، وإلا فهناك سيدنا عليّ كان له أتباع وتلامذة وأصحاب نشروا علمه لكن بعض أتباعه -وهم الشيعة- أفسدوا كثيرًا من علمه وفتياه بالكذب والاختلاق عليه، وقال ابن القيم: "وكان من المفتين عثمان بن عفان، قال ابن جرير: غير أنه لم يكن له أصحاب يعرفون، والمبلغون عن عمر فتياه ومذاهبه وأحكامه في الدين بعده كانوا أكثر من المبلغين عن عثمان والمؤدين عنه". وقال: "وأما عليّ بن أبي طالب عليه السلام "كذا"


١ مقدمة الإصابة ج١ ص١٢, إعلام الموقعين ج١ ص٩-١١.
٢ مقدمة ابن الصلاح ص٢٦٢.

<<  <   >  >>