يعرف عنه الكذب في رواية الحديث مع علمهم بأنه قد يصدق الكذوب، وهذا غاية الاحتياط في الرواية، وكذلك استوثقوا من حفظ كل راوٍ وذلك بمقارنة رواياته بعضها ببعض، وبروايات غيره, فإن وجدوا خطأه أكثر من صوابه ضعفوا روايته وردوها, وإن كان لا مطعن عليه في شخصه ولا في عدالته, وذلك خشية أن تكون روايته مما خانه فيها الحفظ أو غلبه السهو.
"العناية بنقد الأسانيد والمتون":
وقد أوفى المحدثون في نقد الأسانيد -النقد الخارجي- على الغاية ولم يدعوا زيادة لمستزيد اللهم إلا ما وجد من المباحث النفسية التي تعين الناقد على النقد, وكذلك عنوا بنقد المتن النقد الداخلي فحكموا على الحديث بالوضع أو النكارة إذا خالف العقل أو الحس أو القرآن أو السنة المشهورة ولم يمكن التوفيق أو التأويل تأويلًا مقبولًا. ومن كلامهم في هذا:
"إذا رأيت الحديث يباين المعقول, أو يخالف المنقول، أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع" ومعنى مناقضته للأصول أن يكون خارجًا عن دواوين الإسلام في الحديث من الجوامع, والسنن, والمسانيد, والكتب المشهورة١ وقد حرروا القواعد والأصول التي وضعوها لنقد الأحاديث. ومعرفة المقبول منها من المردود, وهذه القواعد تجدها مبثوثة في كتب أصول الرواية, وعلوم الحديث, وتاريخ الرجال, وقد بذلوا في تحقيق هذه القواعد أقصى ما في الوسع الإنساني احتياطًا لدينهم وشريعتهم أن يدخل فيها ما ليس منها فكانت قواعدهم التي ساروا عليها أصح القواعد للإثبات التاريخي وأعلاها وأدقها وأوفاها, وإذا كان البعض قد طعن فيها في هذه العصور المتأخرة فليس ذلك عن علم وبينة, وإنما عن جهل وهوى.
١ الباعث الحثيث ص ٧٨ للتوسعة في هذا ارجع إلى "دفاع عن السنة" ص ٤٦-٥١.