للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستقضي بشريش فتقلد القضاء مكرها (١) . وكان من أفاضل قضاة زمنه صدعاً للحق في قضائه وقياماً بالعدل في أحكامه لا تأخذه في الله لومة لائم، ثم تخلى عنه وتجرد لما كان بصدده من التدريس ونشر العلم، وكان محرضاً على طلبه براً بطلبته، معظماً لشأنه وأهله، لين الجانب لهم ناصحاً في تعليمه، متواضعاً في أحواله، متبذلاً في لبسته، أكثر لباسه جبة صوف لا شعار لها، يتولى خدمته لنفسه وشراء ما يحتاج إليه وحمل خبزه إلى الفرن وسوقه منه تحاملاً وقهر نفس؛ وله " شرح " مفيد على مقامات الحريري ومقالة نبيلة سماها: " روضة الأديب في التفضيل بين المتنبي وحبيب " و " مقدمة في العروض " نافعة؛ وكان يقرض مقطعات من الشعر يجيد فيها، وبينه وبين جماعة من أدباء عصره مخاطبات أدبية نظماً ونثراً تدل على متانة أدبه. ومن نظمه قوله حين قلد القضاء يتبرم منه:

كنت مذ كنت لم أزل ... كارهاً خطة القضا

لم أردها وإنما ... ساقها نحوي القضا ولد سنة ثمان وخمسمائة، وتوفي ضحى يوم الثلاثاء لثلاث خلون من


(١) علق في هامش ح عند هذا الموضع فحكى قصته توليه القضاء ومما قال: سبب توليه القضاء أن والي إشبيلية كتب إلى أهل شريش أن يجتمعوا على رجل منهم يولي القضاء بها فجمعهم والي البلد فاجتمعوا عليه ولم يختلف أحد منهم فحلف ألا يكون قاضياً ورجا أن يبروا قسمه فلم يفعلوا وكتبوا مكتوباً باتفاقهم عليه إلى والي إشبيلية فوصل أمره إليها بولايته. فهم بالمشي إليه ليستعفي فمنعوه واتفقوا على المشي في طلبه أن أبى وتادى لوالي اشبيلية المذكور انه ضعيف الحال فأجرى له جراية من بيت المال مشاهرة فاشترى الفقيه أبو الحسن منها عبداً فأعتقه كفارة ليمينه. قلت: وهذا الخبر منقول عن صلة الصلة: ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>