للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في طلبه فوجده في حلقة أبي محمد بن السيد يتسمع ما يقرأ فيها، فصرفه عنها مهاناً إلى تلك الحاجة وارتقب أتيانه أياه بها، فابطأ اكثر من أبطائه في المرة الأولى، فخرج يتطلبه فألفاه هنالك أيضاً، فاخذ في تعنيته ولومه وأفرط في ذلك، وبينما هو يوبخه ويفند رأيه ويعده (١) على ابطائه أقبل أخوه عم أبي الحسن وكان تاجراً موسراً فقال لأخيه: ما لك وله؟ فقال: هذا الخلف (٢) السفيه الرأي الفاسد النظر يترك شغله الذي أهل له ويشتغل بما لا يفيده، وهل يرجو مثل هذا أن يكون من أهل العلم أو له استطاعة على القيام بها؟ فقال له أخوه: لعلك تحب القراءة؟ فقال: نعم؛ فقال لأبيه: دعه في كفالتي، فضمه غليه واعتنى به وأحسن إليه وتركه وما احب من طلب العلم؛ فقال أبو الحسن: فما فتح لي إلا بعد بطء ومشارفة يأس، وكنت في كرب من ذلك. ثم لما فتح الله عليه هم بالرحلة في لقاء حملة العلم والأخذ عنهم فقصد إلى دار عمه فلم يلفه بها، وكان ممن يواقع شرب الخمر أحياناً، فعمد إلى أواني الخمر وخويبيه كانت له منها، فكسر ذلك كله وخرج لرحلته. ولما جاء عما إلى منزله أخبرته زوجه بما فعل ابن أخيه، وقالت له: ارأيت ذلك الذي ربيته وأحسنت إليه وقمت بمؤنته ما فعل معك؟! قال: فحرج علي وغضب. ثم غاب أبو الحسن نحو عشرة أشهر ثم رجع، فكان يحلق بجانب من المسجد، وشيخه أبو محمد بن السيد يحلق بجانب آخر منه، وكان بلسانه لثغ شديد في الراء يقلبها غيناً خالصة، فحكى أبو الحسن بن لب انه جاءه يوماً


(١) كذا ولعلها: ويوعده أو ويعذله.
(٢) بفتح اللام أو تسكينها: الولد الطالح في هذه القرينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>