للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شجاع وكان أيضاً ضريراً وأخذ القراءات عنه: أردت مرة أن أقرأ شيئاً من الأصول على ابن الوراق فسمع بذلك فاستدعاني فحضرت بين يديه، فاخذ بأذني ثم قال لي: أتقرأ الأصول؟ فقلت: نعم، فمد بأذني ثم قال لي: من الفضول، أعمى يقرأ الأصول.

وظهرت عليه كثير من كرامات الأولياء وأثرت عنه كسماع الأذان مراراً لا تحصى بجامع مصر وقت الزوال من غير المؤذنين؛ وقال: جرت بينه وبين الشيطان مخاطبة فقال لي: فعلت كذا فسأهلك فقلت له: والله ما أبالي بك. وقال: كنت يوماً في طريق وتخلف عني من كان معي وأنا على الدابة وأقبل اثنان فسبني أحدهما سباً قبيحاً وأقبلت على الاستعاذة وبقي كذلك ما شاء الله ثم قال لي الآخر دعه، وفي تلك الحال لحقني من كان معي (١) فأخبرته بذلك فطلب يميناً وشمالاً فلم يجد أحداً. وكان يعذل أصحابه في السر على أشياء لا يعلمها إلا الله عز وجل؛ وكان يعتل العلة الشديدة فلا يشتكي ولا يتاوه، وإذا سئل عن حاله قال: العافية، لا يزيد على ذلك؛ وكان ضريراً فإذا جلس إليه من لا يعرفه لا يرتاب في أنه يبصر لأنه لذكائه لا يظهر عليه ما يظهر على الأعمى في حركاته. وكان مجتنباً فضول الكلام فلا يتكلم إلا فيما تدعو إليه الضرورة، ويمنع جلساءه من الخوض في شيء [١٦٦ و] إلا في العلم والقرآن، ولا يجلس للإقراء إلا على طهارة في هيئة حسنة وخضوع واستكانة. وتصدر للإقراء بالمدرسة الفاضلية (٢) من القاهرة، ثم تركه وأقبل على التدريس إلى


(١) زاد في م: وأنا على الدابة.
(٢) في الأصول: الفاضيلية.

<<  <  ج: ص:  >  >>