للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينهم ويتراسلون بالخطوط المعبرة عنه في كتبهم لإيصال ما استقر في نفوسهم من عند بعضهم إلى بعض، وهذه هي التي عبر عنها الفيلسوف بأن سماها " الأصوات المنطقية الدالة ". فإن شغب مشغب بما يظهر من بعض الحيوان غير الناطق من كلام مفهوم كالذي يعلمه الزرزور والببغاء والعقعق من حكاية كلام يدرب عليه (١) قائم المعنى، فليس ذلك كلاماً صحيحاً ولا مقصوداً به إفهام معنى ولا يعدو ما علم (٢) ولا يضعه موضعه، ولكن يكرره كما يكرر سائر تغريده كما عوده (٣) . وكثير من الحيوان في طبيعته أن يصوت بحروف ما على رتبة ما، وذلك كله بخلاف كلام الإنسان [٦ ظ] الذي يعبر به عن أنواع العلوم والصناعات والأخبار وجميع المرادات.

ثم نرجع فنقول: إن هذا القسم الذي ذكرنا أنه يدل بالقصد ينقسم قسمين: إما أن يدل على شخص واحد وإما أن يدل على أكثر من شخص واحد. فأما الذي يدل على شخص واحد فهو كقولنا: زيد وعمرو وأمير المؤمنين والوزير وهذا الفرس وحمار خالد وما أشبه ذلك. فهذه إنما تعطينا إذا سمعنا الناطق ينطق بها الشخص الذي أراد الناطق وحده، لسنا نستفيد منه أكثر من ذلك. وليس هذا الذي قصدنا الكلام عليه لأن هذه الأسماء لا يضبط حدها من اسمها لفرق نذكره بعد هذا، إن شاء الله عز وجل. واعلم قبل أن كل جزء مجتمع في العالم توجد في العالم أجزاء مثله كثيرة، إلا أن بعضها منحاز عن بعض فإنا نسميه شخصاً بالاتفاق منا كالرجل الواحد، والكلب (٤) الواحد، والجبل الواحد، والحجر الواحد، وبياض الثوب (٥) الواحد، والحركة الواحدة وسائر كل ما انفرد عن غيره. فإذا سمعتنا نذكر الشخص أو الأشخاص فهذا نريد.

وأما القسم الثاني: وهو الذي يدل على أكثر من واحد فهو كقولنا: الناس والخيل والحمير والثياب والألوان وما أشبه ذلك. فإن كل لفظة مما ذكرنا تدل إذا قلناها على


(١) س: يدري فيه.
(٢) س: ولا يعد مما علم.
(٣) م: عود.
(٤) م: كالكلب.... والرجل.
(٥) في هامش س: " اللون " بدلاً من الثوب في خ.

<<  <  ج: ص:  >  >>