أطلت الفكر في نفسي، بعد تيقني أنها المدبرة للجسد، الحساسة الحية العاقلة المميزة العالمة، وأن الجسد موات لا حياة له، وجماد لا حركة فيه إلا أن تحركه النفس، وبعد إيقاني أنها صاحبة هذه الفكرة، والمحركة للساني بما تريد إخراجه مما استقر عندها فقالت مخاطبة لنفسها، باحثة عن حقيقة أمرها:
يا أيتها النفس المدبرة لهذا الجسد: الست التي قد عرفت صفات جسدك الذي واليت تدبيره، وحققتها وضبطتها
قال: بلى.
قال: يا أيتها النفس المدبرة لهذا الجسد: الست التي تجاوزت جسدك المضاف تدبيره إليك، فخلص فهمك وبحثك (١) إلى سائر ما يليك من الأرض والماء والهواء وسائر الأجرام، ثم إلى ما لم يلك من الأجرام، فميزت أجناس كل ذلك وأنواعه وأشخاصه، وحققت صفات كل ذلك: الذاتية والغيرية، وفرقت بين كل ذلك بالفروق الصحيحة، ثم تخطيت كل ذلك إلى الأفلاك البعيدة وما فيها من الأجرام النيرة فعرفت كيفية أدوارها، ووقفت على حقيقة مدارها،