يبدو إن حوار " المأدبة " لأفلاطون كان معروفاً على نحو ما في القرن الثالث الهجري لدى المثقفين المسلمين، وإن لم نجد له ذكراً صريحاً بين كتب أفلاطون في المصادر العربية (١) . ويدور حوار المأدبة حول موضوع " الحب " أو " العشق " على نحو غير حواري في البداية، إذ يتوالى على الحديث في الموضوع على صورة " المقام " خمسة من المتحدثين، اجتمعوا في بيت أحدهم، وأحبوا أن يتجنبوا الاستسلام إلى نوبة من الشرب بعد انتهائهم من الطعام، فتناوبوا الحديث واحداً بعد آخر، وعرض كل واحد منهم وجهة نظره في الحب، فلما جاء دور السادس، وهو سقراط، رأى جاداً أو هازلاً، إنه يقصر في البلاغة عن مدى كل منهم، وهو في حقيقة الأمر ينتقد الطريقة " الخطابية " التي عالجوا فيها الموضوع، ولذلك تحول إلى طريقته المفضلة وهي " الحوار " المتنامي، الذي يستحث فيه محاوره إلى الالتزام بحدود واضحة بعد إذ يتحول به إلى ظل له وفي أثناء ذلك أنتقل سقراط يقص حواراً جرى بينه وبين امرأة سماها ديوتيما عرفة بفنون
(١) من بين كتبه المترجمة كتاب " في اللذة المنسوب إلى سقراط " وقد ذهب فرانز روزنتال ورتشارد فالتسر في تعليقاتهما على كتاب الفارابي " فلسفة إفلاطون وأجزاؤها ومراتب أجزائها.. " إلى أن " في اللذة " لابد أن يكون هو " المأدبة "، وتعقبهما الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه " إفلاطون في الإسلام " (ص: ٣١) ورفض التوحيد بين الكتابين، وحججه غير مقنعة؛ وكل قطع في هذا الأمر قبل أن يعثر على نصوص من كتاب " في اللذة " لا يؤخذ على علاته.