ولا يزال هذا المنهاج من الناحية النظرية سديداً جيداً، أما عند التطبيق العملي فإنه يسمح باختلاف كثير.
وقد كشفت هذه الرسالة عن عدة أمور هامة، منها: مدى اطلاع ابن حزم على الفقه المالكي: " فلعمري ما لشيوخهم ديوان مشهور ومؤلف في نص مذهبهم إلا وقد رأيناه ولله الحمد كثيراً ككتاب ابن الجهم وكتاب الأبهري الكبير والأبهري الصغير والقزويني وابن القصار وعبد الوهاب والأصيلي ". ومنها نظرته الموضوعية الناقدة بعد اطلاعه على ما ألفه أهل كل مذهب: " فألف أصحاب الحديث تواليف جمة وألف الحنيفون تواليف جمة وألف المالكيون تواليف والشافعيون تواليف فلم يكن عندنا تأليف طبقة من هذه أولى أن يلتفت إليه من تأليف غيرها بل جمعناها - ولله الحمد - وعرضناها على القرآن وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
وحدد ابن حزم في هذه الرسالة مظان الحديث المعتمدة عنده وهي: تصنيف البخاري وأبي داود والنسائي وابن أيمن وابن أصبغ وعبد الرزاق وحماد ووكيع ومصنف ابن أبي شيبة أو مسنده وحديث سفيان بن عيينة وحديث شعبة. ويقول ابن حزم إنه أضرب عن الحديث المستور من الرواة صيانة لأقدار الأئمة عن تعريضهم لمن لا يعبأ به الله شيئاً. وذكر أنه كان يقتني كل هذه الدواوين وقد رواها وضبطها وصححها.
وثمة شيء آخر كشفت عنه هذه الرسالة وهو شيوع آراء منسوبة لابن حزم لم يقل هو بها (ف: ٢٦، ٢٧، ٢٨، ٣٠) وكان هذا مما يوسع شقة الاختلاف بينه وبين أهل المذاهب الأخرى.
- ٣ -
رسالة في الرد على الهاتف من بعد (١)
وهذه الرسالة شبيهة بالرسالة السابقة، بل توشك أن تكون ثانية الرسالتين اللتين سئل فيهما سؤال تعنيف، إذ يقول في أولها " أما بعد فإن كتابين وردا علي لم يكتب كاتبهما اسمه فيهما "، ثم يذكر أنه أجاب عن الاول، وأنه بصدد الإجابة في هذه
(١) يرى الابن العزيز الباحث الظاهري المحقق أبو عبد الرحمن بن عقيل أن هذه الرسالة كانت رداً على أبي الوليد ابن البارية أحد فقهاء ميورقة. (انظر ص: ١٢٦) .