قد حاولت أن تكون هذه الرسائل الثماني التي يتضمنها هذا الجزء " ردوداً " على مختلف المستويات، فبعضها رد على عدو للدين، وبعضها رد على الخصوم، وبعضها ردود على الأصحاب والأصدقاء والمشايعين، وبعضها صورة للفتاوى (أو النوازل) عن مسائل يطرحها بعض السائلين.
وتتفاوت هذه الردود بين عنف وهدوء، كما يتفاوت السائلون في حظوظهم من العلم.
وابن حزم لا يحب الفناء، ولو خير لما اختار هذا الطريق، ولكنه مدعو إلى أن لا يكتم العلم وإلى أن يبينه للناس.
وقد تتكرر التهمة (أو القضية) فيتكرر الرد عليها في غير رسالة، لطبيعة الحياة يومئذ، وطبيعة الحصول على الكتب والرسائل، فاتهام ابن حزم بأنه يعيب الأئمة سيتكرر ولابد، وقضية " ماذا نتعلم " قد أجاب عنها ابن حزم في رسالة " مراتب العلوم " وفي كتاب التقريب لحد المنطق، وفي رسالة التوقيف على شارع النجاة، وفي رسالة التلخيص لوجوه التخليص وربما في غيرها. ومشكلة التقليد سترد في مواضع كثيرة، ولذلك فإن فكر ابن حزم لا يمكن أن تتم دراسته على نحو منظم إلا بعد استكمال مؤلفاته وتنظيمها بحسب الموضوعات.
إن جمع هذه الرسائل في نطاق ليس المقصود منه رؤية ابن حزم الفقيه، فذلك شيء لا يتم دون دراسة المحلى والاحكام والإيصال وغيرها من مؤلفاته، ولكن كانت الغاية هنا الوقوف على " ردود فعله " الفكرية، وهو يخاصم أو يترفق، والوقوف على منهجه وعلى المنطلقات الأساسية التي يرتكز إليها ذلك المنهج.
ولقد نشرت هذه الرسائل من قبل ما عدا الرسالتين الأخيرتين، ولكني قد عدت على ما نشر برؤية جديدة، وبفهم متميز في إعطاء هذه الرسائل حقها من العناية