للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورسم الجوهر هو (١) أن نقول: إنه القائم بنفسه القابل للمتضادات، فإن النفس قائمة بنفسها تقبل العلم والجهل والشجاعة والجبن والنزاهة والطمع وسائر المتضادات من أخلاقها، التي هي كيفياتها، وكذلك كثير من الأجرام تقبل البياض والسواد اللذين أحدهما لون مفرق للبصر وهو البياض، والثاني جامع للبصر وهو السواد. وكثير منها يقبل الحر والبرد والمجسة، التي هي خشونة أو املاس، والرائحة التي هي طيب أو نتن، وغير ذلك من الصفات التي تقع عليها الحواس؛ فكل قائم بنفسه قابل للمتضادات (٢) حامل لها في ذاته، وبهذا خرج الباري عز وجل عن أن يكون جوهراً أو يسمى جوهراً، لأنه تعالى ليس حاملاً لشيء من الكيفيات أصلاً [٢٠و] فليس جوهراً.

وأما ما يظن قوم من أن الكيفية تقبل الأضداد لأن اللون يقبل (٣) البياض والحمرة (٤) فذلك ظن فاسد، لأن أنواع الكيفية بعضها هي (٥) الأضداد نفسها، فهي متضادة بذاتها، لا حاملة للتضاد في ذاتها، بل هي الأضداد المحمولة أنفسها، والجوهر حامل لها كزيد، مرة هو صبي، ومرة هو شيخ، ومرة هو أصفر من الفزع أو المرض، ومرة هو أسمر من الشمس، ومرة هو حار لقربه من النار، وأخرى هو بارد لقربه من الثلج، ومرة قاعداً ومرة قائماً، وهو زيد نفسه. وكل هذه كيفيات وأعراض متعاقبة عليه (٦) ذاهبة واردة، فبعضها متضاد وبعضها مختلف. وكذلك الكلام والفكر الذي هو التوهم لا يقبلان الأضداد قبول الجوهر للأضداد، لأن الكلام والتوهم إما أن يكون صدقاً وإما أن يكون كذباً، بصحة معنى الشيء المتوهم، أو الكلام، أو ببطلانه، وليس الصدق والكذب متعاقبين على كلام واحد ولا على


(١) هو: سقطت من م.
(٢) فهو جوهر ... للمتضادات: سقط من س.
(٣) م: يجمع.
(٤) م: والخضرة.
(٥) س: من.
(٦) س: عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>