للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيء. ثم لما وجد كان ذلك أول مراتبه في الحقيقة، ثم انقضى وصار (١) ماضياً وصح الكلام فيه لأنه قد كان حقاً [٢٧ظ] موجوداً. وإنما غلط من غلط في هذا الباب لوجهين: أحدهما أنه راعى حال نفسه فلما وجد نفسه مستقبلة للأمور قبل كونها وللزمان قبل حلوله وقبل مضي كل ذلك، قدر أن (٢) الزمان المستقبل قبل المقيم وقبل الماضي وهذا غلط فاحش وجهل شديد، لأنه موافق لنا من حيث لا يفهم. ألا ترى أنه إنما جعل الأول في الرتبة كونه مستقبلاً لما لم يأت وهذا هو الزمان المقيم على الحقيقة، وفعله لذلك هو فعل الحال لا غيره، وهو الذي قلنا فيه إنه أول الأزمنة والمقدم من الأفعال، ثم جاء ذلك الزمان المستقبل والفعل المنتظر معه بعد ذلك. والماضي أشد تحققاً من المستقبل لأن الماضي قد كان موجوداً ومعنى صحيحاً يحسن (٣) الأخبار عنه وتقع الكمية عليه والكيفية، والمستقبل بخلاف ذلك كله.

واعلم أن الموجود من هذه الأزمنة هو المقيم وحده، والموجود من الأفعال هو المسمى حالاً الذي هو في الزمان المقيم، لأن الماضي إنما كان موجوداً وثابتاً وصحيحاً وحقيقة وشيئاً إذ كان مقيماً، ثم لما انتقل عن رتبة كونه مقيماً عدم وبطل وتلاشى. والمستقبل إنما يوجد ويصح ويثبت ويصير حقيقة وشيئاً إذا صار مقيماً وأما قبل ذلك فليس شيئاً وإنما هو عدم وباطل. فتدبر هذا بعقلك تجده ضرورياً يقيناً لا محيد عنه ولا سبيل إلى غيره إلا لمن كابر حسه وناكر عقله، نعوذ بالله من ذلك. والوجه الثاني أن الذي لم يحقق النظر لما لم يقدر على إمساك الزمان وقتين تفلت عليه ضبط الزمان المقيم ولم يكد يتحقق ذلك لحسه. فليعلم (٤) أن الزمان لا يثبت وإنما هو منقض أبداً شيئاً بعد شيء، والزمان المقيم هو الآن؛ فإن قولك " الآن " هو فصل موجود أبداً بين الزمان الماضي والزمان الآتي؛ والآن هو الموجود في الحقيقة من الزمان أبداً، وما قبل الآن


(١) م: فصار.
(٢) أن: سقطت من م.
(٣) س: لحسن.
(٤) س: فلتعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>