للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يدن منها عزمها وانتفاضها (١) ... ولم ينأ عنها مكثها وازديادها

يؤكد ذا أنا نرى كل نشأة ... (٢) تتم سريعاً عن قريب نفادها

ولكني أرض عزاز صليبة ... منيع إلى كل الغروس انقيادها

فما نفذت منها لديها عروقها ... فليست تبالي أن تجود عهادها ولا يظن ظان ولا يتوهم متوهم أن كل هذا مخالف لقولي المسطر صدر الرسالة: إن الحب اتصال بين النفوس في أصل عالمها العلوي (٣) ، بل هو مؤكد له. فقد علمنا أن النفس في هذا العالم الأدنى قد غمرتها الحجب، ولحقتها الأعراض، وأحاطت بها الطبائع الأرضية الكونية (٤) ، فسترت كثيراً من صفاتها وإن كانت لم تحله، لكن حالت دونه، فلا يرجى الاتصال على الحقيقة إلا بعد التهيؤ من النفس والاستعداد له، وبعد إيصال المعرفة إليها بما يشاكلها ويوافقها، ومقابلة الطبائع التي خفيت بما يشابهها من طبائع المحبوب، فحينئذ يتصل اتصلاً صحيحاً بلا مانع.

وأما ما يقع من أول وهلة ببعض أعراض الاستحسان الجسدي، واستطراف البصر الذي لا يجاوز الألوان، فهذا سر الشهوة (٥) ومعناها على الحقيقة، فإذا فضلت (٦) الشهوة وتجاوزت هذا الحد ووافق الفضل اتصال نفساني تشترك فيه الطبائع مع النفس تسمى


(١) عزمها وانتقاضها: قرأها يرشيه غربها وانتقاصها؛ وكلمة " انتقاصها " تقابل " ازديادها " ولكن " غربها " لا تقابل " مكثها ".
(٢) جاءت في بعض الطبعات: معادها.
(٣) انظر ما تقدم ص: ٩٣.
(٤) برشيه: الكورية.
(٥) من الجائز أن تكون هذه العبارة: " وأما ما يقع من أول وهلة، فبعض أعراض الاستحسان الجسدي واستطراف البصر الذي لا يجاوز الألوان، وهذا سر الشهوة " ويكون جواب " أما " هو " فبعض ".
(٦) قراءة بتروف: فصلت؛ وتصحيحها إلى " فضلت " أمر يلتئم مع قوله: " ووافق الفضل اتصال نفساني؛ وفي معظم الطبعات: " غلبت ".

<<  <  ج: ص:  >  >>