١٨ - قال الموحد: هذا قولنا والرد على من جهل ربه وسماه بغير أسمائه التي سمى بها نفسه، ووصفه بغير صفاته، سبحانه وتعالى عن ذلك، لا نقول في الباري عز وجل كما قال يعقوب بن إسحاق: إنه علة، فنقض (١) توحيده وهدم بناءه وكذب نفسه في المقدمات التي برهنها في بدء أقاويله، وزلت قدمه فهوى، فلا نقول في الباري عز وجل إنه علة لما بعده إذا نحن أردنا كشف العلل والبلوغ إلى حقائقها في ذواتها والإبانة عنها، لأنا نوهم السامع أنه من جهة المعلول وجب أن نسميه بعلة، إذ ليست العلة علة معقولة إلا لمعلول، ولا المعلول معلول إلا لعلة بالقول إلى مضاف اضطرارا، فتوهم إذن السامع أن خالقه مضاف إلى كل معلول بغير إطلاق، تعالى ربنا عن ذلك وتقدس.
١٩ - والكندي يقولنا بما قلنا بلسانه وينطق به كتابه عنه ويشهد به عليه، فقد كرر القول وبرهنه أنه عز وجل لا يلحقه المضاف ولا ما شاكل المضاف، وإن رام أحد بعد أن يخطئ على نفسه فيسميه بعلة [على] ألا يكون حينئذ من المضاف في عقله بكل جهده، لم يجد ذلك ولم يقدر أن ينفي عنه الإضافة من بعد أبدا، بل أوجب بذلك التبعيض والنهاية، وكل ما نفى عنه الكندي وغيره إذ سماه علة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فلذلك لا نقول نحن إنه علة أفعال المعلولات، ولا علة المعلولات، ولا علة العلة، في مطلبنا هذا الذي نريد به قصد الواحد الصمد جل ثناؤه، بل نقول: هو الأحد الأول الصمد مبدع العلل، وهو الذي (٩٥و) ابتدع المعلولات لأجل تلك العلل التي سبقت منه، فوجب أن يكون الإبداع من أجلها كائنا تاما متقنا على ما هو عليه من التنضيد والإتقان.