للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حال العلل، لأن تلك الحال جامعها معا لكون كل معلول يكون من أجلها، كالاشتراك بحالها الجامع لها. فالباري تعالى لا علة، إذ ليس مشتركا معها في الاسم ولا في المعنى، وإذ هي بالفصل بائنه عنه، لأن الفصل غاية لها، وهو لا غاية له عز وجل.

٢٩ - فإن قال: فلم صارت هي عللا سابقة دون أن تكون هي المعلولات المسبوقة قيل له: لأنها بالفصل الأكبر في بسطها أحق من المعلولات، وإذ هي بالفصل الأكبر أحق، وجب لها السبق قبل كل معلول، لأنه محال أن تكون هي في بسطها وعظم أقدارها في الفصل الأصغر الذي هو أحق المعلولات من بعدها، فلأجل [٩٦ظ] صغر الفصل صارت معلولات من غير اضطرارا، ولأجل عظم الفصول العظام صارت عللا لغيرها واستحقت السبق لها، وهو أصغر قدرا منها. ثم هي لا تعود بتلك الفصول العظام إلى أن تكون معلولات لغيرها أبدا إلا أن يكون قبلها ذو فصل أعظم منها. ولو كان قبل كل عظيم أعظم منه، كان هذا بلا غاية. والباري جل وعز لا يقال فيه إنه ذو فصل، أي يناله بذاته، على معنى أن تكون المنفصلات فيه كما هي في العلل، لأن الموضوع في المحدود محدود، والفاصل لذي الغاية ذو غاية، والمحيط بذي النهاية إحاطة الاتصال ذو نهاية، وهو الذي لا غاية له، عز وجل عن ذلك.

٣٠ - فإن قال قائل: ولم كان هذا كذا قيل له: لأنه لم يكن بد من أن يكون صغير وكبير، ليعقل الصغير والكبير، ولا يعقل الصغير إلا بالكبير، ولا الكبير إلا بالصغير، فلما لم يكن بد من أن يعقل وضع على المعنى الذي به يعقل، فكان الكبير أحق بالسبق لكبره وفضله عن الصغير وحمله له، فكان علة له، وتأخر الصغير لصغره إذ حق ذلك له، إذ لا يقوم إلا في حامل قبله يسعه، فالكبير مكان، والصغير متمكن.

٣١ - فإن قال: ولم لم يكن المعلول بالفصل الأكبر أحق من العلة قيل له: فهذا تكرير بعد الفصل، ولكنا نقول له: لأن الفصل الأكبر فاصل عنه، فالكبير يفصل الصغير، لا الصغير يحيط بالكبير، ولا يعقل المعقول إلا بفصله الأحق به، فالصغير معقول بفصله الأصغر إذا أضيف إلى ما هو أكبر منه، فإن لم يضف إلى ما هو أكبر منه لم يعقل أن فصله صغير أو كبير بتة، وإذا لم يعقل دثر بلا زمان عن

<<  <  ج: ص:  >  >>