للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والضلال بعد البيان (١) . ومن سلك الواعظة ولزم الجادة واتبع آثار السلف الراشدين، فآمن بالقدر كله خيره وشره، موقنا بعدل الله تعالى وصدق وعده، وأنه أهل العفو والفضل، وأن ابن أدم أهل الخطأ والذنب، وأن لله الحجة البالغة، ثم لم يكذب بما آمن به من ذلك بلفظ غيره نصا، ولا تعريضا، فقد نجا إن شاء الله ولم يسأله الله عما وراء ذلك.

فقد رأينا من يقر بهذا الإقرار، ثم يعود عليه بلفظ آخر فينقضه نقضا وهو لا يشعر، فأخشى أن يكون سلب إيمانه وهو لا يشعر.

فاجعل - وفقك الله - مع الإيمان بالقدر الإيمان بالعدل غير زائغ عنه بلفظة ولا لحظة، وداو وساوس الشيطان الباطنة بما تشاهده من أحكام الله الظاهرة التي تشهد أن عدله فيها أرفع العدل، وفضله فيها أعظم الفضل، فاستشهد الظاهر على الباطن، والمحكم على المتشابه، وما اتضح لك على ما خفي عليك [١٠٧ظ] ، ليقويك على ذلك ثبات علمك بأن الله ذو القدرة التامة والحكمة البالغة قادر على كل شيء، مالك لكل شيء، لم تلزمه ضرورة في أول تدبيره ولا آخره، ولا لحقه ضيق ولا حرج في عدله وقدره وفي نظامهما ووضعهما وإمضائهما، وأن أحكامه كلها لمن عقل موقعها، وعاين بعين عقله حكمة تطلبها، قائمة على غاية الإتقان والإحسان، لا جور فيها يضاد العدل والخير، ظاهرها كباطنها، وواضحها كغامضها، ومجهولها كمعلومها، لا دخل (٢) فيه ولا غاية، وإنما النقص في درك ذلك من بعضها على نظر المخلوق وقصر فهمه لا عليها. من ظن غير ذلك فقد ظن عجزا، وأضمر إلحادا وكفرا.

واعلم فيما تعلم من ذلك أن كل قدرة لمخلوق أو مشيئة أو إرادة فالله مالكها، كما هو خالقها، لم ينفرد المخلوق بحال يملكه، ولا أمر يقدره، ولا قوة يبطش بها، ولا مشيئة ينفذها، أمر الله عز وجل فوق أمره، ويد الله فوق يده، ومشيئته ماضية عليه ولازمة له نافذة فيه: {قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله} (سورة يونس: ٤٩) ، وما كسب ابن آدم من خير وشر فهو عاملة وكاسبه، له


(١) البيان: كذا في ص ولعلها الثبات.
(٢) ص: دحل.

<<  <  ج: ص:  >  >>