للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما في جميع الناس شر من الوشاة، وهم النمامون، وإن النميمة (١) لطبع يدل على نتن الأصل، ورداءة الفرع، وفساد الطبع، وخبث النشأة، ولابد لصاحبه من الكذب؛ والنميمة فرع من فروع الكذب ونوع من أنواعه، وكل نمام كذاب، وما أحببت كذاباً قط، وإني لأسامح في إخاء كل ذي عيب وإن كان عظيماً، واكل أمره إلى خالقه عز وجل، وآخذ ما ظهر من أخلاقه حاشا من أعلمه يكذب، فهو عندي ماح لكل محاسنه، وذلك لان كل ذنب فهو يتوب عنه صاحبه وكل ذام فقد يمكن الاستتار به والتوبة منه، حاشا الكذب فلا سبيل إلى الرجعة عنه ولا إلى كتمانه حيث كان. وما رأيت قط ولا أخبرني من رأى كذاباً ترك الكذب ولم يعد إليه، ولا بدأت قط بقطيعة ذي معرفة إلا أن أطلع له على الكذب، فحينئذ أكون أنا القاصد إلى مجانبته والمتعرض لمتاركته، وهي سمة ما رأيتها قط في أحد إلا وهو مزنون إليه بشر في نفسه، مغموز عليه لعاهة سوء في ذاته، نعود بالله من الخذلان.

وقد قال بعض الحكماء: آخ من شئت واجتنب ثلاثة: الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، والملوك فإنه أوثق ما تكون به لطول الصحبة وتأكدها بخذلك، والكذاب فإنه يجني عليك آمن ما كنت فيه من حيث لا تشعر.

وحديث عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم: " حسن العهد من الإيمان " (٢) ؛ وعنه عليه السلام: " لا يؤمن الرجل بالإيمان كله حتى يدع الكذب في المزاح " (٣) . حدثنا


(١) قارن بين هذه الحملة الشديدة على النميمة هنا، وبين قول ابن حزم في رسالته في الأخلاق والسير: " واما النميمة فهي التبليغ لما سمع مما لا ضرر فيه على المبلغ إليه " (رسائل ابن حزم: ١٣٣) .
(٢) ورد في ارشاد الساري ٩: ٢١ واتقان الغزي: ٥٢ وعيون الاخبار ٣: ١٥ والبصائر ٧: ٦٥١.
(٣) انظر مسند أحمد ٢: ٣٥٢، ٣٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>