للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندي حتى جيش الموفق أبو الجيش مجاهد صاحب الجزائر (١) الجيوش وقرب العساكر ونابذ خيران صاحب المرية (٢) وعزم على استئصاله، فانقطعت الطرق بسبب هذه الحرب، وتحوميت السبل واحترس البحر بالأساطيل، فتضاعف كربه إذ لم يجد إلى الانصراف سبيلاً البتة، وكاد يطفأ أسفاً، وصار لا يأنس بغير الوحدة، ولا يلجأ إلا إلى الزفير والوجوم، ولعمري لقد كان ممن لم أقدر قط فيه أن قلبه يذعن للود، ولا شراسة طبعه تحبب إلى الهوى.

وأذكر أني دخلت قرطبة بعد رحيلي عنها ثم خرجت منصرفاً عنها فضمني الطريق مع رجل من الكتاب قد رحل لأمر مهم وتخلف سكن له (٣) ، فكان يرتمض لذلك.

وإني لأعلم من علق بهوى له وكان في حال شظف، وكانت له في الأرض مذاهب واسعة ومناديح رحبة ووجوه متصرف كثيرة، فهان عليه ذلك وآثر الإقامة مع من يحب؛ وفي ذلك أقول شعراً منه: [من الكامل] .

لك في البلاد منادح معلومة ... والسيف غفل أو يبين قرابه


(١) استولى أبو الجيش مجاهد العامري على دانية والجزائر من سنة ٤٠٠ - ٤٣٦؛ انظر أخباره في البيان المغرب ٣: ١٥٥ وتاريخ ابن خلدون ٤: ١٦٤ وأعمال الاعلام: ٢٥٠ والمغرب ٢: ٤٠١ وللمستشرقة الايطالية كليليا سارنللي دراسة عنه (القاهرة: ١٩٦١) ، (والجزائر هي ميورقة ومنرقة ويابسة) .
(٢) كان خيران أيضاً من موالي العامريين الذين استقلوا لدى انهيار الدولة الاموية، وكان مركزه المرية، إلا أنه قام بدعوة المرتضى الاموي، ثم تخلص منه، وتوفي سنة ٤١٨ (أو ٤١٩) . انظر أعمال الاعلام: ٢٤٢ والبيان المغرب والذخيرة (القسم الأول) والمغرب ٢: ١٩٣؛ هذا وقد تمت المنابذة بين خيران ومجاهد العامريين سنة ٤١٧.
(٣) برشيه: وخلف سكناً.

<<  <  ج: ص:  >  >>