للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسن منظرها، حين شملها الخراب، وعمها الهدم، كأفواه السباع فاغرة، تؤذن بفناء الدنيا، وتريك عواقب اهلها، وتخبرك عما يصير إليه كل من تراه قائماً فيها، وتزهد في طلبها بعد أن طالما زهدت في تركها، وتذكرت أيامي بها ولذاتي (١) وشهور صباي لديها، مع كواعب إلى مثلهن صبا الحليم، ومثلت لنفسي كونهن تحت الثرى وفي الآفاق (٢) النائية والنواحي البعيدة، وقد فرقتهن يد الجلاء، ومزقتهن أكف النوى، وخيل إلى بصري فناء (٣) تلك النصبة بعدما علمته من حسنها وغضارتها والمراتب المحكمة التي نشأت فيها (٤) لديها، وخلاء تلك الأفنية بعد تضايقها باهلها، وأوهمت (٥) سمعي صوت الصدى والهام عليها، بعد حركة تلك الجماعات التي ربيت بينهم فيها، وكان ليلها تبعا لنهارها في انتشار ساكنها والتقاء عمارها، فعاد نهارها تبعاً لليلها في الهدوء والاستيحاش، فأبكى عيني (٦) وأوجع قلبي وقرع صفاة كبدي وزاد في بلاء لبي، فقلت شعراً منه (٧) : [من الطويل] .

لئن كان أظمانا فقد طالما سقى ... وإن ساءنا فيها فقد طالما سرا والبين يولد الحنين والاهتياج والتذكر، وفي ذلك أقول: [من البسيط] .


(١) أعمال الاعلام: وصبابة لداتي بها.
(٢) قرأها برشيه: الديار؛ وفي سائر الطبعات: الآثار، وما أثبته فهو من أعمال الاعلام، وهو الصواب.
(٣) في الطبعات (ما عدا برشيه) : بقاء، وتتفق قراءة برشيه مع أعمال الاعلام.
(٤) هذه هي قراءة برشيه، وفي سائر الطبعات: فيما، والعبارة في العلام مختلفة عما هي هنا، إذ جاءت: والمرتبة الرفيعة التي رفلت في حللها ناشئاً فيها.
(٥) الأعمال: وأرعيت.
(٦) أعمال الاعلام: فأبكى ذلك عيني على جمودها، وهذا الاحتراس ضروري لما تقدم من وصف ابن حزم لنفسه بأنه جامد العين.
(٧) لم يرد هنا إلا بيت من عشرين بيتاً وردت في الاعلام، انظر الملحق.

<<  <  ج: ص:  >  >>