على أنا قبل أن نغادر مجلس يحيى بن خالد علينا أن نتذكر أموراً سنحتاج إليها كلما تقدمت بنا الخطى في طريق هذا البحث، ومنها:
١ - أن أولئك المفكرين يكادون يجمعون على أن الحب اتصال بين الأرواح أو النفوس (أو بين روحين ونفسين) على سبيل المشاكلة، والتكافؤ في الطريقة، والمطابقة والمجانسة في التركيب، أو إنه تمازج بين جواهر النفوس بوصل المشاكلة والمناسبة والمساكنة، أو انه اتفاق الأهواء وتمازج الأرواح وتراوح الأشباح.
٢ - أن بعض أولئك المفكرين ذهب إلى القول بنورانية الحب:" انبعث لمح نور ساطع تستضيء به نواظر العقل وتهتز لإشراقه طبائع الحياة "(١) .
٣ - عبر أكثرهم عن قوة الحب وسلطانه ونفوذه بصور مختلفة لكن المرمى فيها واحد، مثل:" له نفوذ في القلب كنفوذ صيب المزن في خلل الرمل " و " له مقتل في صميم الكبد ومهجة القلب " و " أدب من الشراب له سحابة غزيرة تهمي على القلوب فتعشب شغفاً وتثمر كلفاً " و " له دبيب كدبيب النمل " و " يسور في البنية سوران الشراب " الخ.
٤ - أتفق أكثرهم على وصف حال المحب بالتذلل وما إليه من مظاهر فقالوا: إنه يخضع لعبد عبده، دائم اللوعة، طويل الفكر، صومه البلوى، وإفطاره الشكوى، أذل من النقد، يهش لكل عبد، ويؤسر بكل طمع، يتفوه بالأماني ويتعلل بالأطماع.
٥ - وأنفرد الموبذ قاضي المجوس بالربط بين الحب وحركات النجوم والفلك " الأسطقسات تولده والنجوم تنتجه وعلل الأسرار العلوية تصوره تنبعث خواطره بحركات فلكية الخ ".
(١) المسعودي ٤: ٢٤٠ وقارن بما أورده أبن القيم في روضة المحبين: ١٣٩.