للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهاب عقله اعتلاقه بجارية لأخيه، فمنعها وباعها لغيره، وما كان في إخوته مثله ولا أتم أدباً منه.

وأخبرني أبو العافية مولى محمد بن عباس بن أبي عبدة (١) ، أن سبب جنون يحيى بن محمد بن عباس بن أبي عبدة بيع جارية له كان يجد بها وجداً شديداً، كانت أمه أباعتها وذهبت إلى إنكاحه من بعض العامريات.

فهذان رجلان جليلان مشهوران فقدا عقولهما واختلطا وصارا في القيود والأغلال، فأما مروان فأصابته ضربة مخطئة يوم دخول البربر قرطبة وانتهابهم لها (٢) ، فتوفي رحمه الله. وأما يحيى بن محمد فهو حي على حالته المذكورة في حين كتابتي لرسالتي هذه، وقد رأيته أنا مراراً وجالسته في القصر قبل أن يمتحن بهذه المحنة، وكان أستاذي وأستاذه الفقيه أبو الخيار اللغوي (٣) ، وكان يحيى لعمري حلواً من الفتيان نبيلاً.

وأما من دون هذه الطبقة فقد رأينا منهم كثيراً، ولكن لم نسمهم لخفائهم، وهذه درجة إذا بلغ المشغوف إليها فقد انبت الرجاء وانصرم الطمع، فلا دواء له بالوصل ولا بغيره، إذ قد استحكم الفساد في الدماغ، وتلفت المعرفة وتغلبت الآفة، أعاذنا الله من البلاء بطوله، وكفانا النقم بمنه.


(١) لم أجد لمحمد بن عباس ترجمة، ولكنه من أسرة بني عبدة إحدى الأسر الكبيرة في الاندلس، وقد كان عيسى بن أحمد بن أبي عبدة وزيراً أيام الأمير عبد الله الأموي، واحتل رجال من هذه الأسرة مناصب هامة في الدولة (انظر الحلة السيراء ١: ١٢٠ - ١٢١ والحاشية) وكان احمد بن محمد بن أبي عبدة أيام عبد الرحمن الناصر على القيادة (البيان المغرب: ٢: ١٥٨) ومحمد بن عبد الله بن أبي عبدة، على الخزانة (المصدر نفسه) وعيسى بن أحمد بن أبي عبدة على الشرطة العليا (٢: ١٥٩) ؛ ويطول بنا القول لو أردنا تتبع أفراد هذه العائلة وتقلبهم في المناصب.
(٢) بتروف: وانتهائهم اليها.
(٣) هو مسعود بن سليمان بن مفلت الشنتريني القرطبي، كان ظاهرياً لا يرى التقليد، متواضعاً توفي سنة ٤٢٦ (الصلة: والجذوة: ٣٢٨ والبغية رقم: ١٣٦١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>