للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وترفع عنه قبل ذلك؛ وإنما النساء رياحين متى لم تتعاهد نقصت، وبنية متى لم يهتبل بها استهدمت؛ ولذلك قال من قال: إن حسن الرجال أصدق صدقاً وأثبت أصلاً وأعتق جودة لصبره على ما لو لقي بعضه وجوه النساء لتغيرت أشد التغيير، مثل الهجير والسموم والرياح واختلاف الهواء وعدم الكن - وإني لو نلت منها أقل وصل وأنست لي بعض الأنس لخولطت طرباً أو لمت فرحاً، ولكن هذا النفار الذي صبرني وأسلاني.

وهذا الوجه من أسباب السلو صاحبه في كلا الوجهين معذور وغير ملوم؛ إذ لم يقع تثبت يوجب الوفاء، ولا عهد يقتضي المحافظة، ولا سلف ذمام، ولا فرط تصادق يلام على تضييعه ونسيانه.

٦ - ومنها جفاء يكون من المحبوب، فإذا أفرط فيه وأسرف وصادف من المحب نفساً لها بعض الألفة والعزة تسلى، وإذا كان الجفاء يسيراً منقطعاً أو دائماً أو كبيراً منقطعاً احتمل وأغضي عليه، حتى إذا كثر ودام فلا وفاء عليه (١) ، ولا يلام الناسي لمن يحب في مثل هذا.

٧ - ومنها الغدر، وهو الذي لا يحتمله أحد ولا يغضي عليه كريم (٢) ، وهو المسلاة حقاً ولا يلام السالي عنه على أي وجه كان، ناسياً أو متصبراً، بل اللائمة لاحقة لمن صبر عليه. ولولا ان القلوب بيد مقلبها لا إله إلا هو ولا يكلف المرء صرف قلبه ولا إحالة استحسناه - لولا ذاك - لقلت ان المتصبر في سلوه مع الغدر يكاد ان يستحق الملامة والتعنيف؛ ولا أدعى إلى السلو عند الحر النفس وذي


(١) بعض الطبعات: فلا بقاء.
(٢) قارن بما جاء في الموشى (ص: ١١٨) : ثم ان أجهل الجهالة وأضل الضلالة صبر الفتى الأديب على غدر الحبيب، فإن الصبر على الخيانة والغدر يضع من المروءة والقدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>