للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بان عنها من السقم الدخيل والمرض والذبول إلى أن ماتت بعده بعام في اليوم الذي أكمل هو فيه تحت الأرض عاماً؛ ولقد أخبرتني عنها أمها وجميع جواريها أنها كانت تقول بعده: ما يقوي صبري ويمسك رمقي في الدنيا ساعة واحدة بعد وفاته إلا سروري وتيقني أنه لا يضمه وامرأة مضجع أبداً، فقد أمنت هذا الذي ما كنت أتخوف غيره، وأعظم آمالي اليوم اللحاق به. ولم يكن قبلها ولا معها امرأة غيرها، وهي كذلك لم يكن لها غيره، فكان كما قدرت، غفر الله لها ورضي عنها.

وأما خبر صاحبنا أبي عبد الله محمد بن يحيى [بن محمد] ابن الحسين التميمي، المعروف بابن الطبني (١) : فإنه كان رحمه الله كأنه قد خلق الحسن على مثاله او خلق من نفس كل من رآه، لم أشهد له مثلاً حسناً وجمالاً وخلقاً وعفة وتصاوناً وأدباً وفهماً وحلماً ووفاء وسؤدداً وطهارة وكرما ودماثة وحلاوة ولباقة وصبراً وإغضاء وعقلا ومروءة وديناً ودراية وحفظاً للقرآن والحديث والنحو واللغة، و [كان] شاعراً مفلقاً حسن الخط وبليغاً مفنناً، مع حظ صالح من الكلام والجدل، وكان من غلمان أبي القاسم عبد الرحمن بن أبي يزيد الأزدي (٢) أستاذي في هذا الشأن، وكان بينه وبين أبيه اثنا عشر عاما في السن، وكنت أنا وهو متقاربين في الأسنان، وكنا أليفين لا نفترق، وخدنين لا يجري الماء بيننا إلا صفاء، إلى أن ألقت الفتنة جرانها وأرخت عزاليها، ووقع انتهاب جند البربر منازلنا في الجانب الغربي


(١) بنو الطبني أًصلهم من منطقة الزاب في المغرب (الجزائر حالياً) ، أول من بنى بيت شرفهم بالاندلس أبو مضر زيادة الله بن علي الطبني إذ كان نديم محمد بن أبي عامر، وقد ترجم ابن بسام لعدد منهم (انظر ١/١: ٥٣٥ - ٥٤٧) وهناك فرع آخر من الطبنيين وهم: محمد ابن حسين الطبني وعقبه (الصلة: ٥٦٢ والجذوة: ٤٧) وقد كان لمحمد ابن هو يحيى، فأعقب يحيى ثلاثة من الأولاد وهم: أبو بكر ابراهيم (الجذوة: ١٤٩) وأبو عبد الله محمد، وهو هذا الذي كان صديقاً لابن حزم (الجذوة: ٩٢) وأبو عمر القاسم وكان أيضاً أديباً شاعراً (الجذوة: ٣١٣ وسيذكره ابن حزم في ما يلي: ٢٦٣) .
(٢) قد مر التعريف به ص: ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>