للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه أمرها، وخشي الفتنة فخرج إلى البصرة فمات عشقاً رحمه الله، وكان فيما ذكر من الصالحين.

حكاية لم أزل أسمعها عن بعض ملوك البرابر: أن رجلاً أندلسياً باع جارية كان يجد بها وجداً شديداً، لفاقة أصابته، من رجل من أهل ذلك البلد، ولم يظن بائعها أن نفسه تتبعها ذلك التتبع؛ فلما حصلت عند المشتري كادت نفس الأندلسي تخرج، فأتى إلى الذي ابتاعها منه وحكمه في ماله أجم وفي نفسه، فأبى عليه، فتحمل عليه بأهل البلد فلم يسعف منهم أحد، فكاد عقله ان يذهب، ورأى أن يتصدى إلى الملك، فتعرض له وصاح، فسمعه فأمر بإدخاله، والملك قاعد في علية له مشرفة عالية، فوصل إليه، فلما مثل بين يديه أخبره بقصته واسترحمه وتضرع إليه، فرق له الملك، فأمر بإحضار الرجل المبتاع فحضر، فقال له: هذا رجل غريب وهو كما تراه، وأنا شغفه إليك، فأبى المبتاع وقال: أنا أشد حباً لها منه، وأخشى إن صرفتها إليه أن أستغيث بك غداً وأنا في أسوأ من حالته، فأذم (١) له الملك ومن حواليه من أموالهم، فأبى ولج واعتذر بمحبته لها، فلما طال المجلس ولم يروا منه البتة جنوحاً إلى الاسعاف قال للأندلسي: يا هذا، مالك بيدي أكثر مما ترى، وقد جهدت لك بأبلغ سعي، وهو [ذا] تراه يعتذر بأنه فيها أحب منك وأنه يخشى على نفسه شراً أنت فيه، فاصبر لما قضى الله عليك. فقال الأندلسي: فما لي بيدك حيلة قال له: وهل هاهنا غير الرغبة والبذل ما أستطيع لك أكثر. فلما يئس الأندلسي منها جمع يديه ورجليه وانصب من أعلى العلية إلى الأرض، فارتاع الملك وصرخ، فابتدر الغلمان من أسفل، فقضي انه لم يتأذ في ذلك الوقوع كبير أذى، فصعد به إلى الملك، فقال: ماذا أردت بهذا فقال: أيها الملك، لا سبيل إلى الحياة بعدها، ثم هم أن يرمي نفسه ثانية،


(١) أذموا له: أي تكفلوا له بشيء من أموالهم؛ وعند بتروف: فرام؛ وقرأها برشيه حسب المعنى: فرغبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>