للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا مكروه، فسارعت إليه وكان هذا سحراً، فبعد أن صليت الصبح وأخذت زيي طرقني فكر فسنحت لي أبيات، ومعي رجل من إخواني فقال لي: ما هذا الإطراق فلم أجبه حتى أكملتها، ثم كتبتها ودفعتها إليه، وأمسكت عن المسير حيث كنت نويت، ومن الأبيات: [من الطويل] .

أراقك حسن غيبه لك تأريق ... وتبريد وصل سره فيك تحريق

وقرب مزار يقتضي لك فرقة ... وشكاً ولولا القرب لم يك تفريق

ولذة طعم معقب لك علقماً ... وصاباً وفسح في تضاعيفه ضيق ولو لم يكن جزاء ولا عقاب ولا ثواب لوجب علينا إفناء الأعمار، وإتعاب الأبدان، وإجهاد الطاقة، واستنفاد الوسع، واستفراغ بالعقل الذي ابتدأنا بالنعم قبل استئهالها، وامتن علينا بالعقل الذي به عرفناه، ووهبنا الحواس والعلم والمعرفة ودقائق الصناعات، وصرف لنا السموات جارية بمنافعها، ودبرنا التدبير الذي لو ملكنا خلقنا لم نهتد إليه، ولا نظرنا لأنفسنا نظره لنا، وفضلنا على أكثر المخلوقات، وجعلنا مستودع كلامه ومستقر دينه، وخلق لنا الجنة دون أن نستحقها، ثم لم يرض لعباده ان يدخلوها إلا بأعمالهم لتكون واجبة لهم، قال الله تعالى: {جزاء بما كانوا يعملون} (السجدة: ١٧) ورشدنا إلى سبيلها، وبصرنا وجه ظلها (١) ، وجعل غاية إحسانه إلينا وامتنانه علينا حقاً من حقوقنا قبله، وديناً لازماً له، وشكرنا على ما أعطانا من الطاعة التي رزقنا قواها، وأثابنا بفضله على تفضله - هذا كرم لا تهتدي إليه العقول، ولا يمكن أن تكيفه (٢) الألباب. ومن عرف ربه ومقدار رضاه وسخطه هانت عنده اللذات الذاهبة والحطام الفاني، فكيف وقد أتى من وعيده ما تقشعر لسماعه الأجساد، وتذوب له النفوس، وأورد علينا من عذابه ما لم ينته إليه أمل؛ فأين المذهب عن


(١) لعل الصواب " نيلها ".
(٢) لعل الصواب " تكتنفه " أو " تكتنهه ".

<<  <  ج: ص:  >  >>