للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيلحقهم أهل الفسوق إذا استوى ... (١) بحلبة سبق طرفها وحمارها

يفر بنو الدنيا بدنياهم التي ... يظن على أهل الحظوظ اقتصارها

هي الأم خير البر فيها عقوقها ... وليس بغير البذل يحمى ذمارها

فما نال الحظ إلا مهينها ... وما الهلك إلا قربها واعتمارها

تهافت فيها طامع بعد طامع ... وقد بان للب الذكي اختبارها

تطامن لغمر الحادثات ولا تكن ... لها ذا اعتمار يجتنبك (٢) غمارها

وإياك أن تغتر منها بما ترى ... فقد صح في العقل الجلي عيارها

رأيت ملوك الأرض يبغون عدة ... ولذة نفس يستطاب اجترارها

وخلوا طريق القصد في مبتغاهم ... لمعقبة الصغار جم صغارها

وإن التي يبغون نهج لغية ... مكين لطلاب الخلاص اختصارها

هل العز إلا همة صح صونها ... إذا صان همات الرجال انكسارها

وهل رابح إلا امرؤ متوكل ... قنوع غني النفس باد وقارها

ويلقى ولاة الملك خوفاً وفكرة ... تضيق بها ذرعاً ويفنى اصطبارها

عياناً نرى هذا ولكن سكرة ... أحاطت بنا ما إن يفيق خمارها

تدبر من الباني على الأرض سقفها ... (٣) وفي علمه معمورها وقفارها

ومن يمسك الأجرام والأرض أمره ... بلا عمد يبنى عليه قرارها

ومن قدر التدبير فيها بحكمة ... فصح لديها ليلها ونهارها

ومن فتق الأمواه في صفح وجهها ... فمنها تغذى حبها وثمارها

ومن صير الألوان في نور نبتها ... فأشرق فيها وردها وبهارها

فمنهن مخضر يروق بصيصه ... ومنهن ما يغشى اللحاظ احمرارها

ومن حفر الأنهار دون تكلف ... فثار من الصم الصلاب انفجارها

ومن رتب الشمس المنير ابيضاضها ... غدواً ويبدو بالعشي اصفرارها


(١) أي أن أهل الفسوق لن يلحقوهم، لأن الحمار لا يدرك الجواد في حلبة السباق.
(٢) برشيه: يجتبيك، وهو خطأ.
(٣) في هذا البيت وأبيات تليه ينظر إلى الآيات ٤ - ٢ من سورة الرعد، كما فعل من قبل في آيات سورة التكوير.

<<  <  ج: ص:  >  >>