للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علي بن محمد بن إسحاق بن الفرج الإمام بمصر ثنا أبو علي الحسن ابن القاسم بن دحيم المصري ثنا محمد بن زكريا الغلابي ثنا أبو العباس ثنا أبو بكر عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال: وضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه للناس ثماني عشرة كلمة من الحكمة منها: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك على ما يغلبك عليه. ولا تظن بكلمة خرجت من في امرئ مسلم شراً وأنت تجد لها في الخير محملا (١) . فهذا أعزك الله أدب الله وأدب رسوله صلى الله عليه وسلم وأدب أمير المؤمنين.

وبالجملة فإني لا أقول بالمراياة ولا أنسك نسكاً أعجمياً (٢) . ومن أدى الفرائض المأمور بها، واجتنب المحارم المنهي عنها، ولم ينس الفضل فيما بينه وبين الناس فقد وقع عليه اسم الإحسان، ودعني مما سوى ذلك وحسبي الله.

والكلام في مثل هذا إنما هو مع خلاء الذرع وفراغ القلب، وإن حفظ شيء وبقاء رسم وتذكر فائت لمثل خاطري لعجب على ما مضى ودهمني؛ فأنت تعلم أن ذهني متقلب وبالي مهصر بما نحن فيه من نبو الديار، والجلاء عن الأوطان، وتغير الزمان، ونكبات السلطان، وتغير الإخوان، وفساد الأحوال، وتبدل الأيام، وذهاب الوفر، والخروج عن الطارف والتالد، واقتطاع مكاسب الآباء والأجداد، والغربة في البلاد، وذهاب المال والجاه، والفكر في صيانة الأهل والولد، واليأس


(١) مثل هذا القول عن عمر رضي الله عنه، إذ يقول: " لا يحل لامرئ مسلم يسمع الكلمة من أخيه المسلم (أو عن أخيه المسلم) أن يظن بها ظن سوء، وهو يجد لها في شيء من الخير مصرفاً (ترتيب المدارك لا٤: ١٣٤؛ ط. المغرب) .
(٢) يقال أن رجلاً كان يستنكر رواية الشعر فقال فيه سعيد بن المسيب " ذاك رجل نسك نسكاً أعجمياً ". وقيل انه قال في ناس كرهوا إنشاد الشعر: " لقد نسكوا نسكاً أعجمياً " انظر البيان والتبيين ١: ٢٠٢ والسماع لابن القيسراني: ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>